الرأي

راياتٌ كاذبة لعهدة خامسة ممتنعة

حبيب راشدين
  • 2548
  • 4

زيارة ميدانية واحدة لرئيس الجمهورية كانت كافية لإنعاش آمال أنصار العهدة الخامسة، وإحياء مخاوف خصومها، مع أنها تندرج في سياقٍ آخر غير التحضير لعهدة خامسة، يسهل قراءة دوافعها على ضوء التحرشات العسكرية المغربية الأخيرة بالبلد، والحاجة إلى الرد على من يراهن على شغور في رأس السلطة للتطاول على أمن الجزائر واستقرارها.
قبل هذا النشاط الميداني للرئيس كان التلفزيون الرسمي قد بث لقطات قصيرة لجلسة بين الرئيس ورئيس الأركان، نقلت توجيهات صارمة من الرئيس للرد بقوة على كل من تسوِّل له نفسه اختراق حدود البلاد، كانت رسالتها موجهة بالضرورة إلى ملك المغرب في أعقاب تحرشات مغربية سلكت دروب الهروب الأحمق إلى الأمام، ووضع الإقليم على صفيح ساخن.
وجاءت تصريحات ولد عباس حول “رغبة” قواعد جبهة التحرير في دعوة الرئيس إلى الترشح، لتمنح بعض المصداقية لمن يصرُّ على وجود نيَّة لدى النظام لتمرير عهدة خامسة، كان يُفترض أن يُصرف عنها النظر بعد الرسالة التي وجهها الرئيس إلى الطبقة السياسية في عيد النصر يحثهم فيها على “الدخول في منافسة بين البرامج”.
وبتحكيم المنطق، يُفترض من الطبقة السياسية أن تلتفت أكثر إلى الظروف الدولية المحيطة بالبلد والإقليم، واستشراف تفاقمها المحتمَل في السنوات القادمة، لاستبعاد فرضية مخاطرة النظام بعهدة خامسة من شأنها أن تُضعِف البلد على أكثر من مستوى، في وقتٍ تحتاج فيه الجزائر إلى حضور قوي على رأس الدولة لمواجهة سيناريوهات قد تصل إلى حدِّ الحرب مع قوى متربصة بالبلد، ليست المغرب سوى أحد أدواتها، ونزاع الصحراء الغربية إحدى أبرز بؤرها التي زُرعت حول الجزائر في الاتجاهات الأربعة.
في عمودٍ سابق، كنت قد توقفت عند بعض الشواهد التي تستبعد خيار العهدة الخامسة ومنها: أن النظام قد احتاج إلى شوط إضافي وفرته العهدة الرابعة ليستكمل تنظيف إسطبلات العشرية السوداء، وتوحيد القيادة على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية، والتوافق على الخطوط العريضة لما سُمِّي بالاقتصاد الجديد حتى آفاق 2030، وقطع بعض الأشواط في التسويق لبنية سياسية تُناوِلُ في واجهة الحكم بحزبين (الجبهة والتجمع) وقد امتلك النظام أدوات مواصلة البرنامج الذي بدأه مع الرئيس بوتفليقة في العقد القادم، أيا كان من سيُكتب له الوصول إلى رأس السلطة في 2019 وما بعدها.
نفس الشواهد ما زالت قائمة، وقد أضيف إليها الوضعُ المتفجِّر على حدودنا الغربية، واحتمال انسياق المملكة المغربية إلى المغامرة بأمن المنطقة، وتسخير النزاع في الصحراء الغربية لتمرير أجندةٍ غربية فرنسية كانت قد فشلت مطلع الربيع العربي، ونراها تنكسر في نهايته في الشام، مع تحوُّل منطقة شمال إفريقيا إلى منطقة صراع على ما يُفترض أنه بوابة القوى العظمى لافتراس القارة السمراء.
لا شك عندي في أن البلد يدين للرئيس بحصيلة محترمة من الإنجازات لا ينكرها إلا مكابر، لا تحتاج إلى تسويق من جبهة التحرير، حتى مع احتساب الأخطاء الكثيرة، وحالات التبذير، وسوء التسيير، والافتراس البغيض من عصابات الفاسدين… غير أن رئيس الجمهورية ونظام الحكم يدينان بدورهما للوطن وللشعب بواجب منح هذا البلد ومواطنيه فرصة التحضير الآمن لخلافةٍ هادئة للرئيس، ليكون أفضلَ تكريم شعبي له أن يُمنح فرصة تسليم الأمانة لخليفةٍ منتخَب، حائز الشرعية، قادر على مواجهة التحديات القادمة وهو مدعوم بجبهة داخلية موحدة مستقرة وآمنة.

مقالات ذات صلة