-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحلة إلى باريس

عابد شارف
  • 5302
  • 0
رحلة إلى باريس

تستعد البلدان العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط للمشاركة في قمة ينظمها الرئيس الفرنسي نيكولا صاركوزي يوم الأحد القادم في باريس لإعطاء إشارة الانطلاق لمشروع الإتحاد من أجل المتوسط. وباستثناء القائد الليبي معمر القذافي، فإن كل الدول العربية الأخرى ستشارك في اللقاء على أعلى مستوى.

  • وكما جرت العادة، فإن الدول العربية اختارت أن تنضم إلى مبادرة جاءت من الآخرين، وأن تساندها دون أن تقوم بمشاورات حقيقية بينها، ودون أن تحاول ضمان الدفاع عن مصالحها بصفة جماعية. ولم تر أية دولة عربية أنه من الضروري أن تنظم نقاشا سياسيا وطنيا حول المشروع الذي جاء به الرئيس الفرنسي، لمعرفة خباياه، ونتائجه الممكنة، وانعكاساته المنتظرة.
  • عكس ذلك، اجتهدت البلدان الأوربية لتحضير المشروع، ودراسة مختلف الاحتمالات، إلى أن وقع خلاف واضح بين فرنسا وألمانيا حول طريقة بناء المشروع، ليعود الرئيس الفرنسي نيكولا صاركوزي ويعترف بضرورة تبني المشروع من طرف الإتحاد الأوربي بأكمله وعدم اقتصاره على البلدان المطلة على المتوسط. وبالمقابل، لم نتابع أي نقاش في بلدان الجنوب، وكأن قادة البلدان العربية يعلمون كل شيء، ويفهمون كل شيء، ولا حاجة للنقاش في بلداننا.
  • ومثلما وقع في الجزائر، فإن قرار المشاركة في قمة باريس جاء من رجل واحد في أعلى هرم السلطة. ولم ير رؤساء البلدان العربية ضرورة استشارة البرلمان أو الأحزاب، بل أن الوزراء أنفسهم في الجزائر لم يكونوا على علم بقرار الجزائر حول المشاركة قبل أن يعلن عنه الرئيس الفرنسي من العاصمة اليابانية طوكيو.
  • وسيذهب كل قائد عربي إلى باريس بصفة منفردة، لا يعرف ما ينتظره الآخرون من هذا المشروع، ولا يعرف كيف يمكن القيام بعمل مشترك لإعطاء المشروع مضمونا يخدم حدا أدنى من مصالح بلدان الجنوب. والدفاع عن مصالح بلدان الجنوب مستحيل، لأن البلدان العربية لا تعرف ما تنتظر من هذا المشروع، لأنها لا تكسب نظرة سياسية لفضاء البحر المتوسط. والحق يقال: كان موضوع اتحاد المتوسط موضوع خلاف حاد بين البلدان الأوربية، لكنها ناقشت الموضوع، وتفاوضت حول مضمونه، وتوصلت إلى اتفاق، ولم تقم باستدعاء بلدان الجنوب إلا بعدما فصلت في القضية. واليوم، فإن البلدان الأوربية تعرف بالضبط ما تنتظر من المشروع. أما بدان الجنوب، فليس لها رأي، اللهم إلا انتظار بعض الفتات، مثل تكليف هذا البلد بمهمة ما، وذاك البلد بمهمة أخرى، كرئاسة الاتحاد للمصري حسني مبارك، ومقر المنظمة لتونس. أما طبيعة المؤسسات والهياكل، والأهداف السياسية والاقتصادية والاتجاه العام للمشروع، فقد تم تحديده في الشمال قبل أن يتم عرضه على بلدان الجنوب للموافقة، لا للنقاش
  • ولما ستأتي مرحلة تطبيق المشروع، ستبقى بلدان الجنوب على نفس السلوك الذي سارت عليه عند تطبيق قانون الشراكة مع الاتحاد الأوربي أو أثناء الشروع في مسار برشلونة. إن بلدان الجنوب لا تكسب الخبرة الضرورية، ولا المؤسسات التي تدخل الساحة، وتفكر، وتحضر المشاريع، وتنجزها، وتراقبها. وقد اتضح ذلك منذ الدقيقة الأولى، لما بقيت بلدان مثل الجزائر تفكر في نقطة بدائية، هل ستشارك أم لا، بينما كان من المفروض أن تقوم بتشكيل فرق من الخبراء لدراسة المشروع وتحضير الملفات للاستفادة منه إن كانت هناك فائدة.
  • ورغم كل هذا، فإن المشاركة في قمة باريس تبقى أفضل من المقاطعة، لعل هذا المسار الجديد سيؤدي تدريجيا بالبلدان الأوربية إلى فرض طريقة في العمل والتسيير تقتدي بها بلدان الجنوب. كما أنه من الممكن أن تدرك أوربا أن فائدتها تكمن في تطور البلدان العربية مثلما فعلت أمريكا واليابان مع بلدان آسيا الشرقية. وقد أدى التطور الهائل في كوريا وطايوان وسنغافورا وغيرها إلى توسيع السوق للسلع الأمريكية واليابانية، وهو ما يمكن أن يحدث مع أوربا والبلدان العربية.
  • ومن جهة أخرى، فإن الاحتكاك بالدول المتقدمة يفتح بابا لتقدم بلدان الجنوب، خاصة إذا تعاملت أوربا معها مثلما تعاملت مع تركيا، حيث اضطرت هذه الأخيرة إلى القيام بإصلاحات كبرى، قبل أن تدرك أن تلك الإصلاحات تأتي بالفائدة على تركيا قبل كل شيء، مما دفعها إلى توسيع دائرة الإصلاحات وتحويل تركيا من بلد متخلف إلى بلد يشكل القوة الاقتصادية الخامس عشرة في العالم.
  • ومن هذا المنظور، فإن مشروع المتوسط كان في بداية الأمر مصيبة نزلت على بلدان الجنوب، فأيقظتها من النوم، لكن أمام الجمود الشامل للبلدان العربية، فإنه من الممكن أن يتحول المشروع إلى فرصة بالنسبة للبلدان العربية المطلة على المتوسط لتدخل العالم العصري. غير أن أوربا لن تستطيع دفع البلدان العربية إلى دخول القرن الحادي والعشرين إذا كانت هذه البلدان ترفض التقدم.
  •  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!