الرأي

رحم اللهُ عهد مبارك

حسين لقرع
  • 3327
  • 16

لعلّ الكثير من الفلسطينيين يترحّمون هذه الأيام على عهد مبارك، بعد أن أصدر القضاءُ المصري حكماً يصنف حماسَ”حركة إرهابية” ويمنع نشاطها بمصر، ويغلق مكاتبها ويفتح المجالَ واسعاً لإحكام الحصار على 1.8 مليون فلسطيني يقطن بقطاع غزة، ويعرّض الكثير منهم للاضطهاد في مصر إذا استطاعوا دخولها أصلاً.

مبارك كان يكره حركة حماس ويتآمر مع العدوّ الصهيوني ضدها، وحتى حرب 25 ديسمبر 2008 على غزة أعلنتها ليفني من القاهرة، بعد أن تلقت الضوء الأخضر من مبارك وأبو الغيط، كما ساهم في جريمة حصار غزة ودمّر الكثير من الأنفاق… ومع ذلك كله، لم يصل إلى درجة التناغم الكامل مع الصهاينة وتصنيف حماس عدوا و”حركة إرهابية”، بل كان نظامُه يستضيف قادتَها في القاهرة ويسعى إلى المصالحة بينهم وبين “فتح”، وكان يفتح معبر رفح بين الفينة والأخرى للحالات الإنسانية الصحية وقوافل الإغاثة، كما كان يتغاضى عن “بعض” الأنفاق التي يهرّب منها الفلسطينيون ما تيسّر من غذاء ودواء ووقود وسلاح، ولم يُقدم على هدمها كلها كما فعل الانقلابيون طوال 8 أشهر.

اليوم تغيّر الوضعُ كلية وهُدّمت كافة الأنفاق وأُغلق معبر رفح بالكامل، فلا يكاد يُفتح إلا نادراً، ثم أصدر القضاءُ المصري المنحاز إلى الانقلابيين حكماً يصنف حماس “حركة إرهابية”، ما يعني أنها قد تحوّلت إلى عدوّ، ولم يعُد هناك أي مجال للتعامل معها.

هذا الحكمُ المسيّس هو هدية ثمينة للكيان الصهيوني، ولعلها فاجأته ولم يكن يحلم بها بدليل أن الإعلام العبري قد أعرب عن ارتياحه العميق لهذه الخطوة، وعدّ ما يقوم به السيسي والانقلابيون اتجاه حماس وفلسطينيي غزة منذ ثمانية أشهر إلى الآن، “فاق كل التوقعات”، ما يعني أن الصهاينة الذين خسروا مبارك وبكوا عليه طويلاً قد وجدوا أخيراً من هو أكثر ولاءً وأكثر خدمة لهم منه، وآن لهم الآن أن يقيموا الأفراح ويواصلوا بكل هدوء وراحة تهويدَ القدس وتقويض أساسات المسجد الأقصى تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، وكذا مضاعفة الاستيطان وابتلاع “ما تبقى” من الضفة الغربية وبالتالي فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وكل العرب والمسلمين.

كنا نعلِّق آمالاً كبيرة على ثورة 25 يناير2011، في أن تُنهي عهد الاصطفاف مع العدو والتآمر على المقاومة، وتُرجع مصرَ إلى حضنها العربي الطبيعي لتعود كما كانت في الصفوف الأولى للأمة، مُدافِعة عن قضاياها المصيرية مُناصِرة للمقاومة، وأن تستعيد دورها الإقليمي الذي تركته لإيران، ولكن الآمال تبخَّرت عقب انقلاب 3 جويلية 2013، حيث أعاد الانقلابيون تقزيم دور مصر وآثروا الاصطفاف مجددا مع العدوّ الصهيوني والانبطاح لأمريكا والغرب بغية شراء صمتهم عن الجرائم والانتهاكات اليومية التي يرتكبونها بحق الآلاف من أنصار الشرعية.

كنا نأمل أن تعود مصر إلى نصرة المقاومة، وإن لم تخض حروباً جديدة من أجلها.. يكفي فقط أن تكون حاضنتها وأن تدعمها بالمال والسلاح والإعلام والدبلوماسية… فإن لم تستطع، غضت الطرفَ على الأقل عن تهريب السلاح عبر الأنفاق، لكنها آثرت أن تطعن المقاومة في الظهر وتتخذها عدوا وتطلق عليها إعلامييها الحاقدين المسعورين لشيْطنتها وتكريه المصريين في إخوانهم الفلسطينيين وبالتالي تعريضهم لشتى أصناف الاضطهاد والنبذ وأعمال العنصرية في مصر.

رحم اللهُ عهد مبارك، كان حُكما متجبرا سيئا بغيضاً، ولكن تبيّن الآن أن عهد الفرعون الجديد أكثر سوءاً وشرا وجبروتاً منه، وأشد قسوة ووطأة ووقعاً في نفوس الفلسطينيين منه. في حكم مبارك كانت هناك بقيّة عروبة وبقيّة نخوة وإنسانية، أما العهد الجديد فلا ذرة فيه من هذه الصفات النبيلة. 

مقالات ذات صلة