-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رسالة إلى صديقة لم تعد هنا: مرفوعة إلى فضيلة نجمة شهادة وفاء متأخر

الشروق أونلاين
  • 1525
  • 0
رسالة إلى صديقة لم تعد هنا: مرفوعة إلى فضيلة نجمة شهادة وفاء متأخر

تعود أعياد الحرية وأنت لم تعودي بيننا وأي عيد هو بدونك وبدون تلك الوجوه التي صنعته، أذكر الآن لم تكن الصداقة بيننا شيئا بعد أن كنت تدخلين شهرك الثاني في جريدة “الشروق اليومي” وكنت أسلخ عامي الأخير في الجامعة في مكتب صديقة أخرى بجريدة “اليوم” التي غادرتها للتوّ دون أن تغادريها تماما، ابتسامتك العريضة وشعرك الغجري يسبق في التعريف بهويتك، سروال الجينز الأزرق والسترة الرمادية والحذاء الرياضي.تفاصيل مناسبة تماما لامرأة أصرّت أن تكون مهنة المتاعب عنوانا جيدا لبيتها أي امرأة، كنت يا طفلة خطفوا منها زهرة العمر ثم سمّوها شهيدة، من قال لهم ترى إنك كنت تريدين الشهادة وقبرا باردا، أعرفك طفلة تريد الحياة متحدية، مكابرة، طموحة وعصيّة عن أي ترويض.

نجمة كاتب ياسين كنت ملحمة الوطن في فصله الأخير، فضيلة أذكرك الآن قبرا في مكان قصي ربما وحدي وربما أصدقاءك القدماء في حمّى السباق نحو البرلمان، فضيلة كم هي بشعة الأشياء التي حدثت بعدك المهنية التي عشقتها أصبحت اليوم مطية لتجار القضايا وبائعي الريح وهواة تعليب أحلام البسطاء أصدقائك بعضهم هاجر جحيم البلد البعض الآخر صاروا نجوما سياسية والقلة بقيت وفية للمبادئ.

في يوم الثلاثاء أذكر ثلاثة أيام فقط قبل رحيلك أو انتحارك على حافة حافلة. غذاؤنا الأخير لم يكن مترفا بدار الصحافة، أذكر الآن أننا تقاسمنا علبة الكوكا مشروبك المفضل وساعة من الحديث في الأحلام والطموح؛ طموحك المستعصي على الترويض ودائم الاصطدام بالمسئولين، كتاباتك في تسعة أشهر، عمرك المهني، تحدّت كل الذين يدّعون المهنية والكلام الكبير ثم يختفون وراء المكاتب، تحديتهم بكلامك، بكتاباتك وجعلت فحولهم يخفضون رؤوسهم بمحاذاة مقالاتك الجريئة، أذكر الآن أنك كنت تواجهين المدينة بعيون مفتوحة بدون نظرات سوداء هي للهرب أكثر منها للزينة قبل الخميس الأسود بالعاصمة، هناك من نصحك بعدم الذهاب فكانت إجابتك للتي وجهت لكِ النصيحة “لأنك تملكين أمًّا تخاف عليك أما أنا…”، هل كان القدر ذكيا لحد اختار ضحاياه بكل تلك السادية.

فضيلة من يذكرك اليوم من يذكر بيتك البسيط من يذكر والدك الشيخ الوقور وتلك المرأة الراحلة بعيدا عنك دون أن يكون لها الوقت الكافي لتراك عروسا، فضيلة يا مهرة جامحة إننا اليوم نكتب بعدك مرثية لمهنة أكلت الكثير من أبنائها، أذكر طموحك الذي لم تسعه كل الجرائد، خجل الأنثى بداخلك من الأحلام التي تمر قبالتك وأشياءك البسيطة ورفضك للتدجين وإصرارك على المضي قدما نحو صناعة مجد ما لقلمك الصغير والبريئ، لم تكوني تنتظرين أوامر أحد من المسؤولين حتي تنطلقي في التغطيات الميدانية والذهاب إلى أقصى حدود الحقيقة، ها نحن اليوم نحتفل بالعيد دونك ودون اسمك الذي سقط حتى من قائمة ضحايا الأزمة؛ الأزمة التي استثمرت فيك وفي اسمك.

هذا المساء سيكتبون عن حرية التعبير سيتبجحون بالخطابات وسيتقاسمون الوعود والنفاق وينسون فقط أن يضعوا حتى مجرد وردة على قبرك، ينسون أنك كنت امرأة لا تخاف، تكره أنصاف الحلول وأنصاف الأشياء، امرأة تصرّ على الذهاب إلى أقصى الأشياء. صديقتي، الجريدة التي تركتها، اليوم كبرت بعض الشيء، صورتك مازالت قبالة المكاتب موشحه بالسواد والقلم يعتليها تذكرنا أننا جميعا مدينون لكِ ولشجاعتك. هذا المساء لن أحتفل، لن أقول شيئا، أصلي لروحك الطيبة وأحاول أن أذكر حكمتك “الفقر تهمة وعار لا يغفره الناس للناس.

وما دون ذلك تفاصيل تجعلني أحمل بطاقتي المهنية ببعض الاعتزاز وكثير من المرارة وأصمت عن النعيق لأن للصمت دوما لذة الأشياء التي لم تقلها بعد فضيلة نيابة عن غبائي وغباء الوطن وجهل الكبار… عذرا.

زهية منصر:zahiamancer@ech-chorouk.com

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!