الرأي

رصيد تسامح المسلمين مع اليهود والنصارى

حبيب راشدين
  • 1873
  • 5
ح.م

متى كان العرب والمسلمون عبر 14 قرنا يعادون السامية أو أهل الكتاب في مشارق الأرض ومغاربها حتى تُلصق بهم ظلما التهمة المنكرة من دون خلق الله؟ وكأن الاسلام يحمل ـ كما يزعم أعداؤه ـ جينوم معاداة الآخر، وهو الذي حمى الأقليات من أهل الكتاب، يهودا ونصارى وهو في أوج هيمنته السياسية والعسكرية والثقافية على جغرافية متعددة الأعراق والمِلل والنِّحل، تمتد من الهند شرقا وحتى الأندلس غربا، فكيف تسمح وزارة الخارجية الأمريكية اليوم لنفسها بالقلق على 200 يهودي في الجزائر لا ظهور لهم، أو يقلق البرلمان الفرنسي على بضعة آلاف من المسيحيين لم يمس لهم كنيس أو يكسر لهم صليب؟

قبل أن تنشأ هذه المخاوف الكاذبة، وتصنع مخاوف أخرى من تعاظم هجرة المسلمين المتهمة بتغيير الهوية المسيحية اليهودية لأوروبا، كان الشرق الاسلامي يحتضن لأكثر من 14 قرنا ملايين المسيحيين في الشام ومصر، ومئات الألوف من اليهود في شمال إفريقيا واليمن وإيران، وقد تعايش المسلمون مع الملايين من البوذيين والسيخ والصابئة والمجوس، وحافظ الاسلام على جميع الثقافات وألسن الشعوب والأعراق التي اعتنقت الإسلام طواعية على يد التجار والرحالة، حتى إن أرخبيل اندونيسيا (أكبر الدول الاسلامية) ومعظم دول جنوب الساحل من إفريقيا لم يطأها جيشٌ مسلم فاتح.

وربما يحسن بنا أن نقرأ لهم بعض الشهادات لكتاب غربيين مثل بيرنارد لويس (مستشرق بريطاني أمريكي عُرف بدعمه لإسرائيل) رصد بدقة في كتابه “يهود في أرض الإسلام” أحوال المسيحيين واليهود في ذمة الاسلام لنقرأ في (ص 34) أن “القرون الأولى من الخلافة شهدت تنامي التسامح منذ بعثة الرسول وحتى قيام الامبراطوريات الأموية والعباسية، حيث يسجِّل نمو روح التسامح تجاه غير المسلمين بمنحى تصاعدي… حتى إن المسحيين واليهود كانوا يشكلون مع المسلمين مجتمعا واحدا تشهد كثيرٌ من الوثائق على ثراء المبادلات الفكرية والثقافية بين مجموعاته الثلاث”.

وفي نفس الكتاب (ص 74) يورد شهادة لبعض زعماء اليهود حول سلوك الخلافة العثمانية مع اليهود، ومنها رسالة أندرينوبل، كتبها يهوديٌّ يحث فيها أبناء ملته على الهجرة من أرض المسيحية، والالتحاق بأرض الخلافة العثمانية، حيث “الأمن والازدهار” وبعد أن ذكَّرهم بما يلاقونه من تنكيل وحصار وإهانة في ألمانيا المسيحية، يضيف “أنا إسحاق زرفاتي، أؤكد لكم أن تركية هي بلد الخير، حيث ستجدون الراحة… أفلا يحسن بنا أن نعيش تحت حكم المسلمين بدل المسيحيين، حيث بوسع أبنائنا ارتداء ما يحلو لهم من الألوان دون التعرض للضرب والسب؟”.

وفي شهادة أخرى لمؤرخ فرنسي، آندري كلو في كتابه “اسبانيا المسلمة” يتوقف مطولا عند “اضطهاد المسيحيين القوط لليهود.. والتشديد عليهم في شعائرهم، وهدم معابدهم، والتحريم على المسيحيين الاختلاط بهم”، وقد بلغ بهم الأمر حد “استعباد اليهود، وسبي أبنائهم بالقوة لتنشئتهم على الديانة المسيحية.. وقد عمّت موجة شرسة من المعاداة للسامية بلاد الأندلس زمن القوط، هي التي تبرر كما يقول الكاتب: واجب تفهُّم تسهيل اليهود للغزو العربي، واستقبالهم للمسلمين كمحررين لا كغزاة”، ويصور الكاتب في عدة فصول اندماج المسيحيين واليهود في المجتمع الاسلامي، واعتناق ثقافته ولغته وعاداته، حتى إن الكنيسة اضطرت إلى ترجمة الانجيل إلى العربية حين لاحظت شغف الشباب المسيحي بلغة وثقافة (الغزاة).

مقالات ذات صلة