رفث في مكة المكرمة!
يظن الجزائريون أن خصلة العصبية الزائدة، التي صارت معجونة بسلوكهم العام، في كل الأماكن، التي يتوجهون إليها، علامة جزائرية بامتياز، تفرقهم عن الآخرين، ويظنون أن عصبيتهم الزائدة هي “صراحة ودفاع عن حقوقهم وثورة في حق سلطان “صغير” جائر”، لكن ما صار يحدث في قلب البقاع المقدسة، لم يعد إساءة إلى العباد والبلاد، وإنما أيضا إلى الشعيرة المقدسة.. فقد تابعنا بكثير من الحسرة ما صدر في البقاع المقدسة، من رجال سافروا لأداء الفريضة الخامسة لأجل الخروج لبعض الوقت من الدنيا طلبا للآخرة، فطلقوا بسلوكهم القبيح، الآخرة والدنيا أيضا.
لقد أجمع الجزائريون قبل غيرهم، على أن “العصبية” التي تعاملوا بها مع بعضهم فكانوا أشداء وغير رحماء، جعلتهم يتخلفون عن بقية الأمم، فمن غير المعقول أن يتضاربوا في عرفات، ويتسابوا في منى، ويقاطعوا بعضهم البعض في طواف الإفاضة بمكة المكرمة، ويتحولوا إلى أعداء في رحلة العودة في مطار جدة، حتى قيل إن المسؤولين على المطار، صاروا إذا أرادوا معاقبة أي عامل لديهم، كلّفوه بالعمل مع الحجاج الجزائريين. هل فشلت الأسرة.. هل فشلت المدرسة.. هل فشل المسجد والإعلام، في نقل الجزائريين إلى مستوى التحضّر الذي يذهلهم به الأندونسيون بنظامهم وحِلمهم برغم عددهم الذي يقارب المئتي ألف حاج، والبنغاليون بصبرهم ومسالمتهم برغم فقرهم المدقع؟
عندما يقول حاج شاكيا إنه خسر خمسين مليونا، لأجل زيارة بيت الله الحرام، ويقول آخر إنه مستعد لأن يلكم ويركل جميع الحجاج، ويتوقف عن أداء الحج في مرحلة رمي الجمرات ليعود الموسم القادم، ويرمي آخر الطلاق على زوجته، ويضيع حاج بين التنابز وسبّ الذات الإلهية، ويعجز المرافقون والأئمة الموجودون في عين المكان عن كبح هذا الجامح، فإننا نكون قد قدّمنا أوراق اعتمادنا إلى دولة غير فاضلة، والمؤسف أننا نزعم أن هذه العصبية ميزتنا وخصلتنا الفاضلة.
ألم يحن الوقت لأن نوقف هذا “الهبل” الذي صار يبصم علينا بأفعالنا، ألم يحن الوقت لأن تتدخل الدولة- حتى وإن كانت جزءا من المشكلة- لأجل طمس هذا الكروموزوم الذي شوّه الصورة البهيّة للإنسان الجزائري، الذي نقل عصبيته من الملعب إلى الشارع إلى المسجد، وجعله الآن جواز سفر يريه لكل العالم، حتى وهو مسافر إلى خير بقاع الأرض.
لا يمكن التحجّج بزمن الجمر، الذي عشناه في زمن المستعمر، أو السنوات الحمراء التي عصرت أعصابنا، لنحاول إقناع أنفسنا وإقناع الآخرين، بحقيقتنا الملتهبة من دون عود ثقاب، فالجزائري وهو في البقاع المقدسة قد يقرأ قوله تعالى: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين))، أو قوله- صلى الله عليه وسلم-: “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”. ومع ذلك، يأتي بغير ما دعاه إليه الله ورسوله الكريم، ومن دون أن يدري وأحيانا وهو يدري، يدخل في الرفث والفسوق والجدال، الذي يُبطل الحج، بحجة أنه متميز بالعصبية.