الرأي

رقصة “سلو دانس” بين الجزائري وكورونا!

رويترز
باحثة في شركة RNA للأدوية خلال عمليات البحث للتوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد في مختبر في سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية يوم 17 مارس 2020

لا يمكن أن نصِف الاستقبال الذي خصّصه بعض الجزائريين وحتى الجزائريات من القمّة إلى القاعدة، لوباء كورونا، سوى بالحار جدا، وهو ما جعل هذا الكائن غير الحي وغير الميت، يتنفس في رئة الكثير من الضحايا، مستغلا صفات “الهمجية” و”اللامبالاة” و”الجهل” المطبق، التي تأكدنا مع مرور الزمن “الكوروني”، بأننا نعاني منها مجتمعة، من دون أن نبحث على مدار عقود عن علاج أو لقاح لهذه الأمراض التي مهّدت للفيروس لأن يصل بالجزائر إلى المرحلة الثالثة، ومازال جزائريون يرحبون بالوافد القاتل من خلال تجمُّعاتهم غير المبررة في الشوارع، وعدم أخذ الحيطة، والتي دعمتها الدولة بالبقاء في موقف المتفرِّج، على رقصة الأحضان “السلو دانس” بين بعض الجزائريين والفيروس القاتل.

مشهد رجال الأمن والحماية المدنية والدرك الوطني، وهم يترجّون الشباب والكهول ليقِرّوا في بيوتهم وأن يتفرقوا ويبتعدوا عن جلسات “الرغي والتنابز والتلامز”، ولا يُلبّى لهم رجاء، صار يُخجلنا فعلا قبل أن يُرعبنا، ويضعنا أمام الحقيقة التي وصلنا إليها بعد عقودٍ من الاهتمام بصنع الأوهام بدل الإنسان، فمن غير المعقول أن يعلم ويتأكد الشاب أو المغترب بأن خروجه إلى الشارع أو عودته إلى أرض الوطن، سيقتل قريبا عزيزا عليه، ومع ذلك يأتي بجريمته الشنعاء، مع كثير من الإصرار والترصُّد، والأمرّ أن لا أحد يحاسبه، بل يجد من يقلده ويسير على خطاه في صور وصلت إلى حدّ تأليف أغان تشدو وترحِّب في قلب تجمُّعات الولائم والأعراس بالوافد الوبائي، الذي قتل في كل بلاد العالم، من اليابان إلى الولايات المتحدة، وأحدث مجازر لدى جيراننا المتوسطيين في إيطاليا وإسبانيا، ومع ذلك ما أحي الوعي لدى قلوب قتلها القنوط فما همَّها الفيروسُ القاتل.

وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي، قد بكت حال الجزائر، مع هذه النماذج الغريبة وما أكثرها وفي كل الولايات، وعصفت وأرعدت وأبرقت، فإن السلطات الحكومية لم تمنح “الأمان” للمواطن بين تردّد غالبية الوزراء وارتباكهم، إلى درجة عدم ثقتهم في أنفسهم وتناقض أقوالهم وبطء تحرُّكهم، وهو ما جعل المواطن يستشرف بنفسه المسار المحتمل لهذا الوباء في الجزائر والفاتورة التي ستدفعها البلاد من أرواح الأبرياء ومن صندوق المال الجزائري الذي سينضب أثناء وبعد زمن الوباء.

عندما تشاهد بلداناً مثل جنان الأرض لا تعدُّ ثرواتُها وإنجازاتها العلمية والاقتصادية ولا تُحصى، مسجونة شعوبها في البيوت هلعا من الفيروس المجهري، وتتابع شلل العالم وهوسه بالحديث عن كورونا التي ألغت تظاهراتٍ فنية واقتصادية ورياضية كبرى، وتعلم أن بريطانيا التي لم توقف الدراسة في زمن الحرب العالمية الثانية عندما كان هتلر يقصف لندن ليل نهار، أوقفتها الآن، ويُشلّ العالم عن الحركة وتلتهب المخابر في سباق لزفّ الدواء أو اللقاح للبشرية، وبعض الجزائريين في حالة أشبه بالسُكر المتقدِّم، يستقبلون كورونا بالترحيب والأحضان، ويجرّون البلاد إلى النار الإيطالية، تدرك بأن ما نعانيه أخطر من فيروس عابر، قد تكون فاتورته لا قدّر الله بعض المئات أو الآلاف من البشر وبعض الملايير من الدولارات، ولكن ليس بحجم العقل المفقود.

مقالات ذات صلة