-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ركن الإسلام السّادس!

سلطان بركاني
  • 1297
  • 1
ركن الإسلام السّادس!

معلوم بالتواتر والاتفاق أنّ أركان الإسلام خمسة، لا تزيد ولا تنقص، أولها الشهادتان وآخرها الحجّ على الرواية المشهورة، وهي ما يقوم عليه بنيان الإسلام من أعمال القلوب والجوارح ويجمع بين العبادات القلبية واللسانية والبدنية والمالية.. لكنّ كون الإسلام يبنني على خمسة أركان فقط لا يعني أنّه ليس بين باقي شعائره ما يحظى بالأهمية البالغة، بل إنّ من شعائر الإسلام ما يداني الأركان الخمسة في أهميتها، ولذلك كثيرا ما نسمع من علماء الأمّة حديثا عن ركن الإسلام السّادس، ومنهم من يتحدّث عن الرّكن السّابع، وهكذا…
قد لا تتّفق الأمّة على وصف شعيرة من شعائر الدّين الأخرى -سوى أركان الإسلام الخمسة- بأنّها ركن من أركان الإسلام، لأنّ هذا يحتاج إلى نصّ شرعيّ، ولا نصّ. لكنْ ولأنّ رسوخ أيّ بناء وبقاءه لا يكون بالأركان وحدها، إنّما أيضا بالأساسات والسقف وحتّى بالأسوار المحيطة، فإنّ الإسلام -كذلك- تُداني أهميةُ بعض شعائره أهميةَ أركان الإسلام الخمسة، خاصّة في بعض الأوقات والأحوال التي يتعيّن فيها الاهتمام بشعيرة معيّنة لحفظ أركان الإسلام، بل لحفظ بيضة الإسلام نفسها.
ولذلك نجد أعلام الأمّة وأئمّتها، يلحقون بعض الشّعائر بمصافّ أركان الإسلام، تأكيدا على أهميتها، في عامّة الأوقات، أو في الأوقات التي تكاد تنسى فيها تلك الشعائر؛ فالجهاد مثلا، عدّه بعض أئمّة الإسلام ركن الإسلام السّادس، قال عبد الرحمن بن القاسم -رحمه الله-: “وعدّه (أي الجهاد) بعضهم ركنا سادسا لدين الإسلام، فلذا أوردوه بعد أركان الإسلام الخمسة” (حاشية الروض المربع: 4/ 253).. وقد استند هؤلاء الأئمّة إلى نصوص شرعية تؤكّد على أهمية الجهاد بالنّفس والمال، وتتوعّد على تركه، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏”‏رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِرْوَة سَنَامه الجهاد‏”‏، وقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: “مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة”.
وعلى هذا، فما نسمعه من بعض العلماء المعاصرين الذين يتساهلون في أمر الجهاد، ويسوّغون تركه، ويجعلون له شروطا ما أنزل الله بها من سلطان، مع ما تعانيه الأمّة من احتلال لأقدس أراضيها وإبادة لأبنائها؛ هذا المسلك ليس بسديد أبدا، خاصّة وأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قد حذّر الأمّة من ذلّ ينزل بها في آخر الزّمان إذا نكّست راية الجهاد، وأخلدت إلى الدّنيا، واستباحت المحرّمات، قال -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَاد، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُم”.
صحيح أنّ بعض طوائف الأمّة التي جنحت إلى الغلوّ أساءت إلى شعيرة الجهاد تنظيرا وتطبيقا، لكنّ هذا لا يسوّغ أبدا أن يجنح من يوصفون بكبار علماء الأمّة إلى الطّرف المقابل، فيسوّغوا تعطيل الجهاد بتحريف الكلم عن مواضعه والسّعي في إرضاء جهات علمانية تريد للأمّة أن تدير خدّها الأيسر لمن يلطم خدّها الأيمن حتّى تدفع عن نفسها تهمة “الإرهاب” التي ألصقت بها -دون سواها، ظلما وزورا.
ومن شعائر الدّين المهمّة التي رفعها بعض الأئمّة قريبا من أركان الإسلام: شعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؛ يقول صحابيّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: “الإِسلام ثمانيَة أَسهم: الإِسلام سهم، والصَّلاة سهم، والزّكاة سهم، والحجّ سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل اللَّه سهم.. وقد خاب من لا سهم له”.
وقد استدلّ أئمّة الإسلام على رفع شعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إلى مصافّ أركان الإسلام، بنصوص محكمة واضحة الدّلالة، تجعل خيرية الأمّة واستمرارها منوطين بمحافظتها على هذا الواجب، قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه))، وتجعل التشبّث به سببا للتمكين في الأرض، قال سبحانه: ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور))، وتحذّر من عاقبة تركه والاستهانة به، قال -تقدّست أسماؤه-: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون))، وقال نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”.
ولعلّ من أكثر ما يؤسف له في هذا الزّمان أن يضيّع أكثر المسلمين -عامّة وخاصّة- هذه الشّعيرة الواجبة، كنتيجة لاستشراء الثقافة العلمانية التي تعُدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلا في خصوصيات الآخرين! بل إنّ هذه الثقافة سرت بين كثير من العلماء الذين ألبسوها لباس الدّين، حين زعموا أنّ النّهي عن المنكر يتوجّه إلى عامّة النّاس، أمّا الخاصّة من الحكّام والأمراء فإنّه لا ينكَر عليهم إلا سرا، فإذا ما تعذّر الإنكار سرا سقط واجب الإنكار! وقد واجه الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله- هذا المسلك تنظير وتطبيقا في زمانه الذي شاع فيه شيء ممّا شاع في زماننا هذا من تعطيل لواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وكان ممّا قال عن هذا الواجب: “هو القطب الأعظم في الدِّين، وهو المهمة التي ابتعث الله بها النبيِّين أجمعين، ولو طُوِيَ بساطه وأُهمِل علمه وعمله لَتعطَّلت النبوة، واضمحلَّت الديانة، وفشَتِ الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خِفْنا أن يكون، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بن بولعيد

    التهلكة الكبري هي ترك الجهاد فيي سبيل الله بالمال والنفس التهلكة الكبري هي الاهتمام بالدنيا وترك الاخرة