-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وقفات رمضانية

رمضان بدايتنا على طريق الإخلاص (2)

سلطان بركاني
  • 792
  • 0
رمضان بدايتنا على طريق الإخلاص (2)

أخي المؤمن.. أما وقد علمتَ أنّك تحتاج في طريقك للظّفر بالإخلاص إلى الاستعانة بالله –جلّ وعلا- ودعائه والإلحاح عليه بأن يجنّبك الرياء ويجعل أعمالك وأقوالك وأحوالك خالصة لوجهه الكريم، وإلى الحرص على إخفاء ما أمكنك إخفاؤه من أعمالك الصّالحة، فاعلم -وفّقني الله وإياك- أنّك تحتاج أيضا إلى إدامة النّظر في نقائصك وعيوبك، وفي التّقصير والخلل الذي يعتري أعمالك؛ فحاول أن تذكّر نفسك دائما وأبدا بأنّك لست أفضل ممّن هم حولك، بل ربّما يكون أكثرهم خيرا منك عند الله.. تعرّف –أخي المؤمن- على الله، واعرف من تعبد بأسمائه وصفاته، فإنّ من كان لله أعرف كان له أخوف وكان أقرب إلى الاعتراف بالتّفريط والتّقصير. إنّ الله يقول في الحديث القدسيّ: “أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”.. ماذا ستستفيد –أخي- من مدح المادحين وثناء المخلوقين والجنّة والنّار بيد ربّ العالمين؟. إنّهم وإن مدحوك وأثنوا عليك فإنّ في قلوبهم من الوحشة ما لا يعلمه إلاّ الله ما دمتَ حريصا على رضاهم. أما علمت أنّ قلوبهم ليست في أيديهم، وأنّها بيد الله يقلبها كيف يشاء. يقول الحافظ ابن الجوزي عليه رحمة الله: “والله لقد رأيت من يكثر الصّوم والصّلاة والصّدقة ويتخشّع في نفسه ولباسه، والقلوب تنفر منه وقدره عند الناس ليس بذاك، ورأيت من هو دون ذلك بمراتب والقلوب إليه تتهافت وعلى محبّته تجتمع، فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر فما ينفع في فسادها صلاح الظّاهر” اهـ.

كن -أخي المؤمن- لأمّة الإسلام كالجذر للشّجرة، به قوامها وحياتها، ولكنّه مستور في باطن الأرض لا تراه العيون، أو كالأساس للبناء لولاه ما علا ولا ارتفع ولكنّ أحدا لا يراه.. كن كذلك أخي المؤمن؛ تحمل الهمّ وتعمل وتدعو ولكن من غير أن تطلب من النّاس شيئا. كن خفيا واحذر أن تظهر من نفسك حبّ الخفاء والحرص على الإخلاص. تذكّر ثمرات الإخلاص يهن عليك أمر النّاس.. تذكّر أنّ من ثمرات الإخلاص حبّ الله وحبّ النّاس، إجابة الدّعاء، راحة القلب وطمأنينة النّفس، حسن الخاتمة، نعيم القبر، رفعة الدّرجات في الجنّات؛ ففي الحديث أنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام. بل إنّ للمخلصين في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ((فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)). قال الحسن البصريّ عليه رحمة الله: “أخفى القوم أعمالهم فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”..

ختاما.. احذر -أخي المؤمن- أن تترك الطّاعات مخافة الرياء فإنّ ترك العمل مخافة الرياء نوع من أنواع الشرك، ولكن اعمل وجاهد نفسك على الإخلاص، وإن وجدت في نفسك شيئا فاستعذ بالله وابرأ إليه منه واصبر على مرّ المجاهدة فإنّ الله يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين))، وإن عملت عملا خالصا من قلبك ثمّ سمعت النّاس يثنون عليك فقل: “اللهمّ اجعلني خيرا ممّا يظنّون واغفر لي ما لا يعلمون”، ولا تعبأ بثنائهم واسأل الله أن يتقبّل منك.. أخيرا احذر -أخي المؤمن- أن تتّهم أحدا بالرياء مهما رأيت من حاله، ومهما أبصرت من تصنّعه، فإنّ الله حرّم القول بغير علم وحرّم الحديث عن دخائل النّاس، يقول أحد الصّالحين: “حرمت قيام الليل بسبب ذنب أذنبته، رأيت رجلا يبكي في الصّلاة فقلت: هذا مراءٍ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!