-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان شهر الطهر والتقى

رمضان شهر الطهر والتقى

ها هي الأيام الباقيات من شهر رمضان التي جمّل الله بها جيد الزمان وفيها الفوائد الحسان، تنسحب تباعا من بين أيدينا.. في أعقاب أيام اجتُذبنا فيها إلى بيوت الرحمن راغبين ذاكرين شاكرين، في صورة مشرقة مقْرونة بالانضباط الصحي الذي تحلى به المصلون في صلواتهم الجماعية.. وفي إثر ليال عمرت بتلاوة كلام الله وأحييت ببدائع المناجاة والدعوات التي رفعها المؤمنون والمؤمنات راجين المولى سبحانه أن يرفع عن الأمة الإسلامية والإنسانية قاطبة هذا الوباء الذي أجبرهم على التباعد وأبعد الأهل والخلان وذوي القربى والجيران بعضهم عن بعض.

غني عن البيان، أن الله -جل جلاله- قد اختص أيام رمضان بخصائص لم تحظ بها أيام أخر، فهذا الشّهر يعود كلّ عام ليذكّر بدروس بعيدة المدى في مدلولاتها ومعانيها، يحتاج المسلم ليقف معها وقفات جادّة، ومن ذلك أنّ رمضان يعود ليصفي ويطهر النفس الإنسانية معنويا وماديا، ليَصحّ البدن وتسمو الرّوح في علياء معارج الرحمن.

فإذا كان الصوم في مختلف الأديان ظاهرة طبيعية، فإن الشريعة الإسلامية أقرته فريضة من الفرائض على نحو أكثر تناسقا وعمقا، إن كان ذلك من حيث الأجر والثواب المكفول للصّائم، أو من حيث السّماحة التي يعنى بها العاجز أو المعذور الذي تعتريه أعراض مختلفة، كمرض أو سفر أو غيرها من الأعذار المرعية والمعلومة.

إنّنا ندرك جوهر رمضان حين نقف كل عام لنجدد خلايا الروح والنفس والعقل لتأخذ مسارها نحو الكمال في مدارج الطهر والتقى، كما نجدد فيه خلايا الجسم بالتحرر من قيود المشارب والأطعمة والشهوات، لتسمو الروح وتزداد صفاءً وتتخلّص من تراكمات العام كله، وتتأهب النفوس والقلوب والعقول بعد ذلك لاستقبال عام جديد بطاقة إيمانية يكون بها الإنسان أكثر إنسانية وأعمق إيمانا بربه.

المسلم أثناء صومه مهما اختلى عن الأعين المبصرة، فإنّه يظلّ ملتزما بما عقد عليه العزم بالإيمان الغيبي وعاهد عليه خالقة بالتحلي بالأخلاق وحسن المعاملة والصبر والمصابرة، ينازع نفسه ويحرص على ألا يقع في مخالفة وهو يتذكر قول الله تعالى: ((ونحن أقرب إليه من حبل الوريد))، فيتأدب بآداب فريضة الصوم ويلتزم بحدوده، وبذلك يقوّي إرادته ويوثّق صلة قلبه وضميره بربه.

في هذه المحطة أجد نفسي، بكل تواضع، لا أقف عند التقسيم الذي ذهب إليه أهل العلم والاجتهاد، عندما جعلوا الصوم أقساما ثلاثة: صوم العامّة، وصوم الخاصّة، وصوم خاصّة الخاصّة.. وأعتقد أن كل واجبات الصوم متماسكة، فحق وحقيق على المسلم أن يؤديها جميعا دون تفرقة أو تخصيص ما توفرت له القدرة العقلية والنفسية والإيمانية، وانتفى عنه العذر، فمن كانت له الغلبة باطنيا بالصبر المجرد لقهر الشيطان الذي وسيلته الشهوات بمختلف منافذها، فكل جارحة من جوارحه يكون لها صومها الخاص، كل منها في محيط حركته وعمله.

هذه هي حقيقة الصوم، التي ينبغي للأمّة المسلمة أن تهتمّ بها لتعطي الشّهر حقّه وتتلمّس آثاره في تهذيب النفوس والسمو بالأخلاق وتقوية العقيدة والتزام كلمة الحق، (وأعي ما أقول!).. وأعتقد جازما أن هذا الشهر قد اكتسب هذه المنزلة في قلوب المسلمين –واقعا- حتى إنهم يترقبون حلوله كل عام في شوق تظهر آثاره على الوجوه المشرقة بنور الإيمان وفي الإقبال على العبادات تعويدا للنفوس الحائرة على ممارستها بإخلاص للتقرب إلى الله، والمداومة عليها طمعا ورجاء في مغفرة الله ورضوانه.

وحريّ بكلّ مسلم اشتاق لرمضان وفرح بقدومه، أن يظلّ على العهد في العشر الأواخر، متدبرا كلام الله، تدبر فهم واعتبار واتعاظ، ليسبح في عالم الذكر والشكر قريبا من خالقه، خاصة في ليلة القدر، ليلة التقدير والشرف، ليلة الإحسان، ليلة الخير كله، فيها نفحات طوبى لمن تعرّض لها.. لم يحدد الله ميقاتها ولا يومها ولا ساعتها ولا كيفيتها ليكون المسلم بذلك دائم الصلة بخالقه، وأخفى الله أمرها وفي الإخفاء حمل على التحصيل وحث على العمل الباطن والظّاهر.

تلكم هي النقلة الروحية المنشودة؛ فالقلوب مقبلة على ربها بالطهر والتقى، والنفوس متخلصة من أسر المعاصي، فالقوى الحيوانية في الإنسان خاضعة للقوى الروحية، وبالتالي يمكن محاسبة النفس وتصحيح مسارها لتسمو في مدارج السالكين إلى الطهر والتقى.

حري بي في ختام هذه الكلمة أن استحضر صمود إخواننا المقدسيين في القدس الشريف والأقصى المبارك وفي ربوع فلسطين في وجه الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية على مقدساتنا الإسلامية لتكريس الأمر الواقع وتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، والمضي في سياسة تهويد القدس الشريف، بالتزامن مع اتساع دائرة تطبيع الخيانة.. فلله دركم، ولكم الله أيها المقدسيون الصامدون، في القدس الشريف والأقصى المبارك.. لا تتركوا لهم سبيلا وأقيموا صلواتكم في الأقصى خاصة يوم الاثنين القادم 10 ماي الذي يصادف احتفالاتهم بما زعموه يوما لتوحيد القدس.. القدس ستظل العاصمة الأبدية لفلسطين الموحدة وهي الأمانة الخالدة في أعناق المسلمين جميعا، وعلى كاهل الأمة الإسلامية والعربية.. ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!