-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان ليس للاستهلاك

رمضان ليس للاستهلاك

يخيَّل للذي لا يعرف شيئا عن الإسلام، وهو يشاهد أسواقنا في حالة غزو مركّز لشراء كل ما يصلح للأكل، بأن شهر رمضان هو حفلة طعام كبيرة مفروض فيها على كل مسلم أن يأكل كل الأصناف المحلية والمستورَدة، ما فوق طاقة معدته وأن يُسرف ويبذّر إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

ويُخيَّل لمن يتابع المشهد اليومي قبيل شهر الصيام بأن الجميع من سلطة وشعب متفقون على أن الشهر المنتظر هو أكبر كرنفال، فالأولى تقوم بإخراج ما يوجد في المخازن وصرف الملايين من العملة الصعبة على استيراد الأكل، والثاني في حالة استنفار قصوى، ولا يكاد رب العائلة يعود إلى البيت إلا وهو محمّل بالطناجير والصحون وبأكياس من المأكولات والمشروبات، وكأنه مقبلٌ على وليمة العمر، والطامة الكبرى أن لا أحد نبّه – وذاك أضعف الإيمان – بأننا على مشارف شهر الصيام ومن المفروض أن يرتاح البطن من الأكل كما يرتاح القلب من النميمة والمعصية.

وإذا كانت القاعدة التجارية تقول إن كثرة الطلب هي من ترفع السعر، فمعنى ذلك أن المواطن هو الذي يمنح الفرصة لهؤلاء الذين يحتكرون قنينات الزيت ويرفعون سعر اللحوم في شهر لا نكاد نلتمس فيه نسمة رحمة واحدة في الأسواق والشوارع.

وحتى مختلف الأسلاك الأمنية في البلاد تعلن حالة تأهب قصوى كلما هلّ هلال رمضان بسبب حالة الناس الذين فهموا بأن شهر رمضان هو “معركة” مع الغير وليس مع الذات، فكان المنتصر كل من استفاد من هذا الفهم الخاطئ لمعنى الصيام الذي يبقى الهدف الأكبر منه هو التقوى كما جاء في القرآن الكريم، وليس ملء البطون أو القفف أو المحلات التجارية أو الجيوب، كما هو حاصل هذه الأيام.

يتساءل مواطنون ببراءة: لماذا نرى خفضا للأسعار في مختلف المواد في أعياد الغرب، بل إنهم صاروا يخفضون الأسعار في المناسبات الدينية للمسلمين من أجل كسبهم كزبائن، بينما ترتفع الأسعار عندنا وتطير كلما اقتربت مناسبة دينية؟ والجواب موجودٌ في الأداء الهزيل للسلطة منذ عقود ومن فهم خاطئ من المواطنين لروح هذه المناسبات، فلو قرأ أي مسلم كل كتب الفقه والسيرة والتفسير والتاريخ الإسلامي عن شهر الصيام ما وجد شيئا من هذا الذي نراه في يومياتنا عندما يرتبط رمضان بـ”البوراك والشربة والمسفوف والزلابية” وغيرها من المأكولات التي تشكل الحدث الأول طيلة شهر رمضان، فتمنح الفرصة الكاملة للذين يبحثون عن الثراء السريع وجمع المال، ليس من جيوب الناس المملوءة، وإنما من عقولهم الفارغة.

لا يمكن أن نحلم بحياة جديدة من دون التوقف عن الكثير من الأخطاء التي نقترفها في كل مناسبة دينية مع سبق الإصرار والترصد، وسنكون مخطئين لو بحثنا عن سبب هذا الجشع والتهافت والتبذير، لأننا جميعا ساهمنا فيه، بين ممارس وصامت، في هذا الوضع الذي لا يليق بشهر أنزل فيه القرآن هدى وبيّنات من الهدى والفرقان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • الجامع في المجامع

    لا تغرنك عمليات خفض الأسعار في الغرب لم تكن يوما واحداً لجلب الزبائن وخاصة المسلمين وإنما هي ربح سريع علي ظهور الجميع وخاصة المسلمين ولم تكن الأسعار اقل بل أغلي والنوعية منخفضة لأقصي الحد المركوتينغ عندهم قائم ليل نهار حتي يأخذ مالك بطريقة سريعة ولن تحس بالدوران نهاءيا لانك لم تبحث ولم تدقق في المواد والأسعار وإنما بطنك من يؤشر إليك و نفس الشيء غربا أو شرقا

  • بومبروك

    يعطيك الصحة بردت قلبي يخويا 90% من المسلمين في هاذي الحال مش فقط الجزائريين لاننا نمر بفترة انحطاط وضياع فكري ثقافي ديني اجتماعي ..وكمل.. ولو كان مايرحمهاش ربي رح نزيدو نغوصو كتر وكتر للقاع

  • ياسين

    ويخيل ايضا ان الجزائريين يصلحون فقط للأكل....فلاحظ ما هي المحلات التي يكثر فتحك...أليست موضة "السوبيرات" فبين سوبيرات وسوبيرات ....سوبيرات... وبين مطعم ومطعم ...مطعم......ثم بين مقهى ومقهى...مقهى... هذه هي حالنا...فالذي رزقه الله بالمال الوفير...لا يستطيع التفكير خارج دائرة الأكل... ؟؟؟ فمشكلتنا في الجزائر أنه من يملك المال لا يملك الفكرة...ومن يملك الفكرة لا يملك المال؟ والقليل من أصحاب المال شاركوا صاحب الفكرة وأسسوا مؤسسة مشتركة بينهما واحد بماله والثاني بفكرته وانطلقوا في مشروعهم؟ أما الباقي الأكل ثم الأكل؟؟؟

  • Nongrata

    ما أجمل هذا المقال. افرغت ما في قلبي. بارك اللّه فيك.