-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رهانُ إفريقيا الخضراء

عمار يزلي
  • 1096
  • 1
رهانُ إفريقيا الخضراء

إفريقيا المتحوِّلة، تتحوَّل اليوم إلى رهان دولي وإلى فضاء حرب اقتصادية وسياسية معلنة وغير معلنة بين مختلف القوى الاقتصادية العظمى، في مقدِّمتها الصين وروسيا وبطبيعة الحال أوروبا وعلى رأسها فرنسا، “الجين” الأول لجيل مستكشفي القارة الأوائل والذي أبقى على السيطرة الاقتصادية والسياسية لمدة طويلة لا تزال آثارُها اليوم بادية للأعين، بدأ أخيرا في التلاشي والضعف، وبين مدٍّ وجزر وشدّ وجذب، ملوحا بالعصا والجزرة بين الفينة والأخرى، مما يؤكد أن “جين” هذا الفيروس بدأ في التلاشي تدريجيا.

 إفريقيا، موطن الاستعباد والاستعمار والاستبداد الأوروبي، تتحول اليوم إلى قبلة للاستقطاب الاقتصادي الجديد في منافسة حادة بين الاقتصاديات الكبرى الجديدة والناشئة، مما جعل بعض هذه الدول الإفريقية تستفيق وتستنهض قواها لرفع الجور الذي لحق بها من زمن غير قريب، ومنه الاستعمار الفرنسي على وجه الخصوص، وبالذات في بلدان الجوار الجنوبي، والجزائر جزءٌ منه.

منتدياتٌ كثيرة بدأت تستضيفها القارة أو تحضرها القارة خارج مجالها الجغرافي.. آخرها ما سيُعقد بين أوروبا وإفريقيا في بلجيكا باسم التعاون الأوروبي الإفريقي.

التمدد الصيني الاقتصادي في إفريقيا، والحضور الروسي المرتقب ودخول تركيا مجال المنافسة، شجّع كثيرا بعض دول الساحل على القول “لا” لمستعمِر الأمس. صحيحٌ أن التغيرات قد بدأت منذ مدة، لكن التطبيق قد بدأ فعليا من زمن قصير، لاسيما في مالي.

هذا التحول، قد لا يلاحَظ جليا، لأن ليس كل ما يفعل، يقال، لكن التحولات الكبرى منذ سنتين في الجزائر، أسهمت في التغيير في الساحل وستستمر أكثر خلال السنوات العشر المقبلة إلى حدود 2030. التحولات في القارة، قادمة بعد أن دخل مجال المنافسة الاقتصادية أكثر من لاعب، ولم يبق اليوم أمام دول الاستعمار القديمة في القارة أي مجال لاحتكار “الفضاءات” و”مراعي” الزمن القديم. لن يكون هناك فضاءٌ تابع لفضاء تحت مظلة تبعية كانت في الأصل استعمارا. الصراعات ستكون سياسية حول الاستقلال الجديد لهذه الدول التي استقلت وطنيا ولم تستقلّ سياديّا، ورهانُ فرنسا حول الصحراء الغربية ودعمه للمغرب هو هذا التخوُّف من زوال “الممرّ الآمن” نحو مستعمرات فرنسا القديمة في الجنوب الغربي للقارة، فالمغرب هو “حصان طروادة فرنسا الأعرج” في المنطقة.

الديناميكة الإفريقية، على الرغم من أنها تبدو أحيانا ذات طابع عسكري، ممثلة في انقلابات متكررة هنا وهنا، لكن هذا يعكس حقيقة أن الديمقراطية المرتسمة لهذه الدول على نمط موحّد، هي ديمقراطياتٌ هشة والانتخابات فيها، كآليةٍ للديمقراطية، هي انتخاباتٌ لا تخضع في غالب الأحيان لمعايير الغرب نفسه، فهي آلياتٌ مفروضة من فوق، تماما مثل ما كان عندنا مطبَّقا أيام الانتخابات المزوَّرة والشكلية من أجل واجهة ديمقراطية لا تعكس فعلا الواقع المحلي.

العودة للانقلابات، يعكس التململ السياسي في بعض الدول التي عرفت أكثر من تجربة سياسية وأكثر من نظام حكم قبلي أو عرقي مصنَّع خارجيا، خاضعٌ لإرادة الغرب الاستعماري وعلى رأس هذه الاستعمار.. فرنسا الاستعمارية.

من هذا المنطلق، يمكن فهمُ ما يحدث في مالي وغير مالي، من شدٍّ وجذب بين السلطة الانتقالية الحالية من جهة والإكواس وفرنسا من جهة ثانية، تحت عدّة ذرائع سياسية وأمنية منها توجُّه البلاد نحو الصين اقتصاديا والتنمُّر على “عملية برخان” عن طريق بعبع  فاغنر… إلخ. غير أن كل ما في القضية، هو محاولة هذه الدول المستعمَرة سابقا التكفل بأمنها واقتصادها وسيادتها بنفسها بعيدا عن التبعية المستدامة، وهذا من شأنه أن يجعل السنوات القادمة سنوات لاستعادة السيادات المنقوصة وسنوات الأجيال الجديدة التي تجعل من إفريقيا السوداء، “إفريقيا الخضراء”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ديدوش مراد

    ابناء فرنسا وخدامها وابناء الحركي والباشاغات والقياد والقومية لا يريدون للصين ولا لروسيا ولا لتركيا ان تستثمر بافريقيا . فرنسا وكل اوروبا سرقوا ونههبوا ثروات افريقيا طيلة قرون عديدة فافقروها واستعبدوا شعوبها وافسدوا بنيتها التحتية وزرعوا بها الفتن والحروب الاهلية والارهاب لخدمة مصالحهم الاستراتيجية العليا الصليبية الاستعمارية . البديل الافضل والاحسن والانفع والانجع لافريقيا ولشعوبها هي الصين الشعبية وروسيا وتركيا . ارجو ان لا يقلق ويوجع ويؤلم كلامي هذا الانتهازيين المتطفلين عملاء فرنسا وابناء الحركي والخونة .