الرأي

رواقيات حمروش في الوقت بدل الضائع

حبيب راشدين
  • 1614
  • 4
أرشيف
مولود حمروش

في خرجة اعلامية غير متوقعة جاءت في الوقت بدل الضائع يفاجئنا السيد مولود حمروش بمداخلة من أكثر من 4300 كلمة، اختار فيها التوقيت الخاطئ، والجمهور الخاطئ، والوسيطة الخطأ، بمضمون حاول الإجابة فيه على جملة من الفرضيات الخاطئة حيال المعوقات الموضوعية التي عطلت إعادة تأسيس الدولة الوطنية، في وقتٍ كان سقف الانتظار عند الجمهور الجزائري منخفضا جدا، أبقته مناوراتُ السلطة وضعف النخب السياسية عند همسات السؤال العاجل: هل ستؤجَّل الانتخاباتُ الرئاسية؟ وهل من خيار آخر يُبعد شبح العهدة الخامسة؟
ومع التنويه بالمستوى الفكري العالي للمداخلة، وتأصيلها الفكري والتاريخي مع ما فيه من تضليل، فإنها جاءت في الوقت الخاطئ، وكان سيٌكتَب لها مآلٌ آخر ودورٌ محمود في تنشيط نقاش فكري مستفيض بين النخب لو أنها طُرحت منذ سنة أو أكثر، إذ لم يكن مطروحا في الساحة سوى جملة من المخاوف من تمديد عمر الأزمة بتمكين الرئيس بوتفليقة من عهدة خامسة كانت إلى غاية منتصف صائفة 2018 تُسوَّق كقضاء وقدر.
وقد أخطأ السيد حمروش في اختيار الجمهور المعنيّ بمضمون الرسالة، باختيار وسيطة اعلامية ناطقة بالفرنسية كانت على الدوام لسان حال جانب من النخبة من البيروقراطية المتحكمة في قرارات الدولة، تتقاسم معه بالضرورة الخطيئة الأصلية التي تعاملت بها النخب المهيمنة منذ الاستقلال بمحاولة فرض خيار واحد على الجزائريين لإعادة تأسيس الدولة الوطنية.
ولا جرم أن تكون بداية التاريخ عند السيد مولود حمروش من النموذج الغربي للدولة القُطرية الأوروبية دولة ويستفالي عند الألمان 1648 والثورتان: الانجليزية (1689) والفرنسية (1789) المعاصرة للدولة الجزائرية زمن الأيالة، وكأن البلد لم يدخل في تجارب عديدة متنوعة قبل الفتح الإسلامي وبعده، فكان جزءا من الإمبراطوريات الإسلامية الأموية والعباسية، ودخل تجارب حكم محلية مع الرستميين والمرينيين والأغالبة وغيرهم، وأخرى اقليمية كما كان الحال زمن الدولة الموحِّدية قبل العودة مع العثمانيين إلى حضن الخلافة.
ولأجل ذلك، فإنَّ مضمون مداخلة السيد حمروش بعد أن نستبعد فضول الكلام مما يصلح تداوله في مدرج كلية العلوم السياسية، لا يزيد عن تشفير رسالتين لفاعلين اثنين لا أكثر: للرئيس أولا ومحيطه الحاكم بأمره عبر جملة قصيرة تقول: “إن إعادة تأسيس الدولة الوطنية على منوال ويستفالي.. لا يجوز فيها لكائن من كان أن يستبد بها بذاته أو بمجموعته أو بمجموعة من ذوي المنافع الخاصة”، وهي رسالة تنتقد على استحياء الوضع القائم اليوم على مستوى الرئاسة، مع ما يشاع حول تحكّم محيطه القريب وتدافع قوى المال من حوله.
والرسالة الثانية موجَّهة حتما للمؤسسة العسكرية يمكن تلخيصُها في دعوة المؤسسة إلى واجب الحفاظ على تماسكها وعلى مكانتها كعمود فقري يعضد الدولة بالنأي بالنفس عن واجهة الحكم التي تجعلها حتما عرضة للدخول في صدام مع المجتمع فضلا عن خطر انسياق ضبَّاطها إلى الانتساب العقائدي وانخراطهم في الأزمات.
وبعد أربعة آلاف كلمة في ليِّ عنق بيان 1 نوفمبر، وإعادة هندسة حمضه النووي، ومحاولة “جزأرة” مفردات الدولة القُطرية الأوروبية المتهالكة في عقر دارها، يختم السيد حمروش مداخلته بجملةٍ مستهلكة تلوكها اليوم بلا مضمون ألسنُ النخب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تقول إن الحل يكمن في: “إقامة حكم مؤسس على ممارسة مؤسساتية لسلطاتٍ منفصلة وفي ضمان وجود سلطٍ موازية وازنة وفي الرقابة وطرق التظلم”.

مقالات ذات صلة