-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

روح “سَانْكَارا” تعود في القمة الإفريقية ـ الروسية

روح “سَانْكَارا” تعود في القمة الإفريقية ـ الروسية

بات واضحا اليوم أن الصِّراع بين الشرق والغرب قد احتدم. هناك بالفعل تحوُّلٌ جيواستراتيجي عالمي لا شك فيه. كل الدول ستعرف تَغيُّرًا ضمن خارطة العالم في العقود المقبلة، إِنْ بالصعود أو النزول أو ربما حتى بالاختفاء. جميع أدوات الصراع الآن مُستخدَمَة من الحرب العسكرية إلى الوسائل الأخرى غير الحرب التي أصبحت أكثر فَتْكًا. وتجد افريقيا نفسها بعد أقل من قرن على استعادة استقلالها الشكلي في منعرج أخطر من الذي سبق مرحلة حروب وثورات استعادة السيادة الوطنية.

الغرب الرأسمالي الإمبريالي لا يريد أن يستسلم ومُستعدٌّ لكل شيء لكي يبقى سيِّدا مُستعبِدا الجميع. إنه مرض الشعور بالتفوُّق ومرض العنصرية الذي لم يفارقه. لذلك، فإن معركتنا اليوم أكثر صعوبة، لأن حدودها المكانية غير معروفة، والغموض يلف حركتها في كافة الجوانب. ليس من السهل فك شفرة الصراع الحالي ومعرفة جميع متغيراته.. والخفيّة منها خاصة، وغير المباشرة منها تحديدا.
يلجأ الغرب عادة قبل المغادرة، إلى جميع الأساليب، إلى تلغيم كل شيء، إلى صناعة طابور سادس خلف الطابور الخامس، وطابور سابع خلف الطابور السادس… الخ، حتى يبقى ويستمرّ. إنه يُدرك أن قوتَّه وتطورَّه ورفاهيتَه وبقاءه بشريا مرهونٌ بأن لا نكون أصلا، أو نبقى كما نحن الآن في تخلف مُنتِج ٍللتخلف، يستفيد من خيراتنا البشرية قبل ثرواتنا الطبيعية ويرمي لنا الفُتات لكي نبقى على قيد الحياة… ولذلك تجده يحسب لكل حركة تجري في هذا البلد أو ذاك من بلدان الجنوب التي تسعى إلى التحرُّر وتقاوم كل الأساليب المُستحدَثَة لِمنعها من ذلك.
وتأتينا الفرصة اليوم وقد جهرت قوة عظمى لديها من الإمكانات ما لديها بالرد عسكريا واقتصاديا على محاولة الغرب خنقها بكل الوسائل ومنعها من أن تكون كما أرادت، وهي روسيا، وفي الطريق إلى الجهر بذات الموقف ضده قوة عظمى أخرى أكثر عُدَّة ونفيرا، وهي الصين التي مازال يسعى لإقحامها في حرب صينية ـ صينية مع جزء من شعبها في “تايوان”، وهي تدير الصراع بحكمة واقتدار حتى لا تُجَرُّ إلى المعركة التي يريدونها لها بلا نهاية.. والشيء ذاتُه يُحضَّر للشعوب الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا الجنوبية التي هي الآن بصدد القيام بالخطوة التالية باتجاه التحرُّر واستكمال سيادتها الوطنية. ولذلك أصبح لزاما علينا قراءة نتائج القمة الروسية ـ الإفريقية قراءة صحيحة لمعرفة الخطوة القادمة التي ينبغي أن نخطوها بالنظر إلى ما يُحضَّرُ لنا. بل علينا اليوم ألا نتعلم فقط من دروس الماضي إنما أن نستبق المستقبل، ونُدرك أيّ المعارك الوهمية التي ينبغي تجنبها وأي المعارك الحقيقية التي ينبغي أن نخوضها.
لقد أعجبني تدخُّل الرئيس البوركينابي النقيب الشاب “إبراهيم تراوري” في قمة سانت بيترسبورغ الأخيرة عندما ارتجل بكل ثقة كلمة مع مجموع الوفود الحاضرة في القمة ونادى القادة الأفارقة بأن يعودوا في اللقاء القادم وهاجسهم الأول ليس الغذاء، إنما نقل التكنولوجيا إلى القارة… رؤية واضحة، وتعبير صادق عن طموح الجيل الثالث من الأفارقة ما بعد استعادة السيادة الوطنية. لقد خدع الاستعمار الخبيث الجيلَ الأول من أجداد الرئيس “تراوري”، وأمثالهم في الجزائر وفي كل البلاد الإفريقية بعد الحرب العالمية الثانية عندما استخدمهم وَقودَ حربٍ لمحاربة النازية ثم أعدمهم بدم بارد عندما طالبوه بالوفاء بوعده وتمكينهم من الاستقلال، وخَدع الجيل الثاني من آبائهم بعد أن زرع الفتنة بينهم ومَكَّن طابوره الخامس من الحكم باسمهم، ونَهَبَ ثروات وخيرات القارة، ولم يتمكنوا من مواجهة أساليبه الماكرة في كثير من المرات، أما هذا الجيلُ الصاعد فقد حفظ الدرس، ومن دون شك كما هو موجود في “بوركينا فاسو”، يكافح على طريقة الفقيد “توماس سانكارا” هو موجودٌ في كافة البلاد الإفريقية روحا ومعنى وواقعا، ولن يلبث أن يبرز في الوقت المناسب، وإنَّ غدا لنظاره قريب.. لقد عَرَفَتْ إفريقيا الطريق وباتت الغاية أمامها واضحة.. وهي كلها أملٌ اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!