الجزائر
الشروق تفتح ملف الحزب في الذكرى الـ19 لتأسيسه

زروال وراء تأسيس الأرندي.. وهذه كواليس اختيار أويحيى

الشروق أونلاين
  • 39803
  • 1
ح.م
أحمد أويحيى - الطاهر بن بعيبش

تعود اليوم الذكرى الـ 23 لتأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي.. حزب قيل عنه الكثير لأنه وفي ظرف ثلاثة أشهر من عمره، حصل على أغلبية مطلقة في أول انتخابات تشريعية تعددية بعد تلك التي أوقفت في العام 1992.. وبهذه المناسبة ارتأت “الشروق” أن تقف عن الذكرى بكل حيثياتها، من خلال مجموعة من الحوارات مع وجوه صنعت الحدث على مستوى هذه التشكيلة السياسية، التي حافظت على بقائها في واجهة المشهد السياسي، خلال كل الاستحقاقات التي خاضتها..

 

نشأ لـ”مهمة انتخابية مؤقتة” ثم أصبح لاعبا دائما!

الأرندي.. مهمة مزدوجة لحزب “الرئيس” وضرة الأفلان بعد لقاء سانت إيجيديو

بدا للسلطة الجزائرية بشقيها الأمني والإداري أنها تواجه مشكلة عويصة بعد انحياز حزب جبهة التحرير الوطني للمعارضة، في عهد عبد الحميد مهري الذي تجاوز الخط الأحمر، بقبوله الانضمام لمجموعة سانت إيجيديو، وانجر عن ذلك غضب عارم في صفوف السلطة ولدى وزارة الدفاع الوطني، التي كان الجنرال زروال يتولى منصبها، بل وأعطيت تعليمات صارمة لمستخدمي وزارة الدفاع الشبيهين المدنيين، بالمشاركة في المسيرات الكبرى المناهضة لأرضية سانت إيجيديو.

كان للفراغ السياسي الذي تركه الأفلان المتمرد على عرابي السلطة، من مخلفات أزمة توقيف المسار الانتخابي عام 1992، الصداع الرأسي الذي ضرب هرم السلطة التي شرعت في بحث مضن عن الرؤساء وقواعد حزبية وسياسية داعمة لها لتسيير فترة ضرورية، فقد جيء ببوضياف الذي أراد إنشاء تجمع وطني انتهى باغتياله، ثم حاول خليفته علي كافي إحياء الفكرة التي انتقلت لليامين زروال، المعين وزيرا للدفاع سنة 1993، ثم رئيسا للدولة بعد ندوة الوفاق الوطني سنة 1994 قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية في أواخر 1995 محتفظا بحقيبة الدفاع.

حينما فكر زروال أو فكر له مقربوه في تأسيس حزب بديل، تكفل مقربوه بالاتصال بكوادر إدارية عبر الولايات وبالعاصمة، ثم بأقطاب الأسرة الثورية، كما اعتمد بصفة مباشرة على قوات الدفاع الذاتي والحرس البلدي الذي كان اليامين مؤسسها في مقارعة الإرهاب والتغلغل في الأوساط الريفية، وقد كان لنجاح التجربة فضل في كسر شوكة الجماعات الإرهابية في الريف وانخراط جماعي “للباتريوت” في صفوف الحزب غداة تأسيسه في  فيفري 1997.

اعتمد زروال بشكل واضح وصريح على مقربين منه لإطلاق القاعدة الحزبية الجديدة مثل أحمد أويحيى الذي اشتغل معه بمقر الرئاسة وعمار زقرار مدير ديوانه والجنرال محمد بتشين ويوسف يوسفي ووزير المجاهدين محمد شريف عباس، وعلى الرائد مصطفى بن النوي الذي كلفه بمهمة بعث الحزب بعاصمة الأوراس، بالإضافة إلى عديد من الإطارات التكنوقراطية التي لا تحمل اتجاهات إسلامية أو ارتباطات عضوية مع الأفلان “المغضوب عليه” جراء “سياسة التمهير” المنسوبة لمهري. كان واضحا أن زروال وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية كان بحاجة “لآلة حزبية” سرعان ما تحولت “لآلة انتخابية” بعد ما حصد الحزب المؤسس في الانتخابات التشريعية سنة 1997، 156 مقعد من أصل 380 في فترة وجيزة، متجاوزا الحزب التاريخي ومجموعة من الأحزاب التقليدية والقديمة النشأة، كان واضحا أن “الجنين المولود عملاقا” كان له أمر بالمهمة هو إعادة بعث الحياة الانتخابية وفرض واقع انتخابي جديد، ينهي عمليا مخلفات توقيف المسار الانتخابي الذي ولّد شرعيات المطالبة بالحق الشرعي والانتخابي السابق، ومكن ذلك من فرض أمر واقع جديد دفع من جهة أخرى بحزب جبهة التحرير إلى مراجعة أوراقه وإنهاء سياسة التمهير مقابل العودة للسلطة.

لعب الأرندي بشكل أو بآخر دور “المبتز السياسي” الممتاز لجبهة التحرير الوطني التي اضطرت لتجديد الولاء للسلطة وإنهاء علاقتها العضوية والأخلاقية مع الخط المعارض وهو ما تجلى بعد المؤامرة العلمية التي أبعدت مهري من الواجهة. وكان الانسحاب الفجائي لليامين زروال جراء خلافات في هرم السلطة سببا مباشرا في انتهاء مهمة الأرندي كقوة أولى بدليل أنه تراجع بشكل رهيب في ثاني انتخابات يشارك فيها سنة 2002 فلم يحصل سوى على 47 مقعدا، ثم على 68 مقعدا سنة 2012، ليبقى في مصف “لاعب الاحتياط” وممثل دور “الضرة السياسية”، ذلك أن النظام اكتشف زمن اليامين زروال خطر الاعتماد على حزب واحد، بل واتضح له فائدة تواجد حزبين رئيسين يتيح له إدارة لعبة التوزان بسلاسة للإفلات من وقوعه ضحية للابتزاز، بل لممارسة المقايضة بين الحزب العتيد والحزب العنيد!

 

العضو المؤسس للأرندي بلقسام ملاح لـ “الشروق”:

لم نقطع الطريق على الأفلان.. ولم نفز بالتزوير

نفى بلقاسم ملاح وهو أحد مؤسسي التجمع الوطني الديمقراطي، أن يكون “الأرندي” قد جيء به للانتقام من حزب جبهة التحرير الوطني التي تمردت على طاعة السلطة أو لتعويضها، وأوضح ملاح في حواره أن الظروف التي كانت تعيشها البلاد آنذاك هي التي فرضت ميلاد حزبه.

الكثير يقول إن الأرندي ولد كبيرا.. لمَ؟

أولا الأرندي فيه شقان، المنشئون والمؤسسون، المنشئون هم أصحاب الفكرة، لو رجعنا إلى الوراء، في عام 1995 عندما انتخب اليامين زروال رئيسا للجمهورية، وكنت محظوظا أنني نشطت الحملة الانتخابية له، لجان المساندة أو مديرو الحملة فكروا في إنشاء حزب سياسي آنذاك، ولكن الفكرة تلاشت فيما بعد.

وبعدها مهندس فكرة الإنشاء هو الجنرال محمد بتشين، اتصل بالتنظيمات السياسية الفعالة كالمجاهدين ممثلة في محمد الشريف عباس، أبناء الشهداء الطاهر بن بعيبش، أبناء المجاهدين في شخص خالفة مبارك، قدماء الجيش الوطني الشعبي مثلها الطاهر بوزغوب، المركزية النقابية وفي غياب بن حمودة تولى الأمر عبد القادر مالكي، وعن الفلاحين نعيمي.

هذه التنظيمات هم المنشئون الحقيقيون للأرندي، بعدها بدأت الفكرة كيف تلتقي التنظيمات الستة، واقترحوا أسماء لتأسيس الحزب، وضمت قائمة الأعضاء المؤسسين 22 اسما، وقدمت للداخلية.

في تلك الفترة كان عبد القادر بن صالح رئيسا للمجلس الانتقالي، وهو أول من ترأس نشاطا للحزب في عام 97، وبعدها تم تأسيس المكاتب الولائية، لدخول التشريعيات في 97، التي عدت أول انتخابات تشريعية بعد التعددية الحزبية.

التنظيمات المؤسسة كان لها امتداد في الولايات، وهذا يدحض عبارة أن الحزب “ولد بشلاغمو”، فقد كانت له الحاضنة الشعبية حتى قبل تشريعات 97، كما أن رؤساء المندوبيات التنفيذية، التحقوا كذلك بالحزب، وهذه هي القاعدة الكبيرة للحزب، والفضل كله يرجع إلى التنظيمات المنشأة هل تأسيس الحزب، راجع بالضرورة إلى عدم قدرة الأفلان على تسير الشأن العام، وأن يكون غريما له؟

أولا لم يتم تأسيس الأرندي ليكون غريما للأفلان، ولا لأي حزب آخر، في تلك الفترة وبعد فوزر اليامين زروال، المفكرون في إنشاء الحزب، أرادوا أن يكون الفضاء السياسي الجديد كقوة ثانية في البلاد، وهو حزب ذو توجه وطني محض.

وحتى الحديث عن تنافس مع الأفلان لا أعتقد أن الأمر صائب، في التشريعيات تحصلنا على 165 وهم على 63 فقط، هذه هي السياسة، أحزاب عملت وأخرى لا، لكن القول إن إنشاء الحزب ليكون كبديل، أو كحزب إضافي في الساحة، أمر خاطئ، تم تأسيس الأرندي ليكون قوة ثانية في التيار الوطني.

لكن يدور في الكوابيس أن قيادات في الأفلان كحال عبد القادر حجار اشتكى للرئيس زروال من تأسيس الأرندي؟

لا أعتقد أن الأمر صحيح، بكل صراحة لأن المهندس الذي خلق الحزب وهو الجنرال بتشين، أما الحديث عن أناس انزعجوا من التأسيس لا أعتقد، لأن فتح المجال السياسي للأحزاب كان بنص صريح في الدستور، ولم يؤسس الأرندي لوحده، بل عدة أحزاب أخرى تم تأسيسها، ولكن الأرندي كانت له قاعدة قوية من التنظيمات الجماهيرية. وهذا الأمر أتى ثماره في التشريعيات، فالنواب الذين فازوا عام 97، كانوا من غالبية التنظيميات.

تتحدث عن الفوز في تشريعات 97، الفوز تحقق بالتزوير الكبير لصالحكم، هذا يؤكده الوالي السابق بشير فريك والقيادي في الحزب ميلود شرفي؟

أنفي وبشدة.

لكن تقارير أخرى تتحدث بأن صناديق الاقتراع أخذت من الباتريوت وبقوة السلاح؟

لا أعتقد أن الأمر وصل إلى هذه الدرجة، وكل شخص يتحمل مسؤولية تصريحاته، ما أعلمه شخصيا وكنت مرشحا في ولاية أم البواقي، وكان متصدر القائمة الأخ أبو بكر بن بوزيد، وعملنا على أن تكون القائمة شاملة لكافة الولاية، واعتمدنا على التنظيمات الجماهيرية. وهذا هو النمط المتبع في باقي الولاية، هنالك ضامن آخر في الانتخابات، وهم الملاحظون الدوليون، أما الحديث عن تزوير شامل فأستبعد، بل أؤكد أنه لم يكن هنالك أي تزوير يذكر.

الحزب تحول إلى مجرد لجان مساندة؟

عام 99 كانت المساندة لبرنامج الرئيس ولم ننحرف أبدا إلى يومنا هذا، وكنا في تحالف مع الأفلان وحمس، وهذا الائتلاف لا نزال شركاء، فيه، لدينا برنامج ونساند البرنامج، أما أن نكون لجان مساندة فقط فلا، نحن ساندنا برنامج الرئيس، وهذا البرنامج لا يزال يجسد في الميدان.

وبالمقابل هذا الحزب غير موجود في الميدان؟

الحزب أنشأ نخبة، خاصة من الشباب في كل الولايات، وهذه النخبة موجودة في كل المستويات، الحكومة، الولايات، والبلديات والتسيير على مستوى البلديات.

 

الصديق شهاب يروي خلفيات تأسيس الحزب

الأرندي ولد “بشلاغمو” لأنه رفض مفاوضة الفيس

بن بعيبش رحل لأنه لم يستطع مواكبة المرحلة وتزوير انتخابات 1997 “كلام فارغ”

عاد الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي الصديق شهاب، إلى سرد ظروف ميلاد “الأرندي” في الذكرى الـ19 لتأسيس الحزب، قائلا أنه جاء في وقت “كانت تفتقد الساحة السياسية لكافة عناصر المقاومة، حينما برزت محاولات من طرف بعض قوى الإتحاد العام للعمال الجزائريين، وعناصر المجتمع المدني، لتأسيس حزب جديد”، يضيف المتحدث “كان هؤلاء يسعون لمواجهة الظلامية والتطرف، ويناضلون للخروج من المناخ السياسي الرهيب الذي كانت تعيشه الجزائر”.

وكشف شهاب عن الخطوة الأولى التي قام بها نشطاء نقابيون لخلق تنظيم “سي أن أس أ” أو ما يعرف بـ”لجنة إنقاذ الجمهورية”، والتي كان على رأسها شخصيات هامة، يتقدمهم عبد القادر بن حمودة وجيلالي اليابس وبن خشير، حيث كان هؤلاء يهدفون حسبه إلى “خلق فضاء سياسي متحرر، ومقاوم”، وكانوا يرفضون التفاوض مع جبهة الإنقاذ والجلوس معها في طاولة واحدة، مثلما حدث مع الأفلان الذين التقوا “الفيس” في “كنيسة إيطالية” لتكون هذه اللجنة البذرة الأولى لتأسيس “الأرندي”.

ورفض شهاب وصف العلاقة بين الأفلان والأرندي أنذاك بالصراع، قائلا أن “جبهة التحرير الوطني هجرت وقتئذ معسكر المقاومة، رغم اعتبارها ممثل التيار الوطني، واختارت المقاربة التفاوضية مع جبهة الإنقاذ بعد وقف المسار الانتخابي، في وقت كانت الساحة بحاجة لقوى سياسية تقاوم، وهو ما جعل ميلاد التجمع الوطني الديمقراطي ضرورة ملحة”.

وبرر شهاب التحاق المنظمات الجماهيرية، على غرار منظمة أبناء المجاهدين وأبناء الشهداء وغيرها من الحركات التي كانت تكنّ الولاء لحزب جبهة التحرير الوطني، بالتجمع الوطني الديمقراطي بـ”الخيار الذي تبنته كافة الأطراف، التي رفضت التفاوض مع جبهة الإنقاذ، وهو ما جعل شخصيات هامة تختار التجمع الوطني الديمقراطي على غرار السعيد عبادو ومحمد شريف عباس، وبعض عناصر الإتحاد العام للفلاحين الجزائريين”، فهؤلاء يضيف شهاب “رفضوا الخضوع للحزب المتطرف، الذي كان يقتل المثقفين لمجرد أنهم يقولون لا، ليسقط أنذاك الهادي فليسي ومدير مركز البحوث بوخبزة وغيرهم كثير من الضحايا”..

وعن ردة فعل الأفلان بعد ميلاد الأرندي، غريمه الجديد في الساحة، ردّ شهاب بأن جبهة التحرير الوطني كانت تعيش في فلك آخر، وأن من كان يهمه وضع الجزائر انتقلوا إلى “الأرندي”، ولم يبق منها إلا بعض المناضلين، في حين رفض تسمية حزب التجمع الوطني الديمقراطي بـ”حزب زروال”، مؤكدا أن موقف الرئيس أنذاك كان منبثقا من الندوة الوطنية للوفاق الوطني التي اختارت الحوار، مضيفا أن الرجل كان يملك تصورا حول الوضع، وأن تأسيس الأرندي كان حتمية سياسية فرضها الظرف الذي كانت تعيشه الجزائر حينها.

وذهب شهاب أبعد من ذلك ليقول “زروال كان مع برنامج التقويم الوطني ومن المؤيدين للتصدي للفيس”، ورفض المتحدث، الترويج لفكرة أن الجنرالات وكبار المسؤولين تنكّروا للأفلان ووقفوا إلى جانب “الأرندي”، الذي يقال عنه أنه حزب ولد “بشلاغمو”، مصرحا “لماذا تركزون على دور الجنرال محمد بتشين أو أمين عام الرئاسة المرحوم عمار زقرار، وتتناسون بوخبزة وبن حمودة وآخرين، فميلاد الأرندي كان  يفرض وجود تنسيق على أعلى مستوى، ولكم أن تتصورا الوضع..”.

وعن تزوير انتخابات 1997، وصف شهاب ذلك بـ”الكلام الفارغ”، قائلا “كنا القوة السياسية الوحيدة في الساحة وكان من الضروري أن نفوز بالأغلبية”، في حين رفض تسمية تغييرات الأمناء العامين التي عاشها حزبه بالانقلابات، مشددا “عرفنا 3 أمناء عامين طيلة ما يقارب 20 سنة وهذا أمر طبيعي، وبن بعيبش رحل في السابق، لأنه لم يستطع مواكبة الوضع ورهانات المرحلة”.

 

نورية حفصي عضوة المجلس الوطني للحزب:

الأرندي ساهم في التقويم الوطني لكنه تحت سيطرة مجموعة قليلة حاليا

تجزم، نورية حفصي عضوة اللجنة المركزية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، في حوار أجرته مع “الشروق”، بأن “الأرندي” بعد 19 سنة عن تأسيسه يبقى القوة الثانية بعد حزب “الأفلان”، رغم الهزات ورغم النقائص في الممارسات.

19 سنة، تمر على تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ما الذي تحقق؟

نعم، الأرندي ساهم بكثير في التقويم الوطني، خاصة وأنه قد تأسس في عز الأزمة، من قبل خيرة أبنائه وبناته، فجاء أنذاك لكي يملأ الفراغ، على اعتبار أن عددا كبيرا من الجزائريين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية التي نظمت سنة 1992، وأقول بأن المناضلين والمناضلات قد دفعوا ضريبة غالية جدا، في عز الأزمة الأمنية لما كان الإرهاب يضرب بقوة، ولا يخفى على أحد بأن الحزب قد ساهم في بناء جميع مؤسسات الدولة، ومناضلوه ومناضلاته تحملوا المسؤولية كاملة، وبعد 19 سنة عن التأسيس أقول بأن “الأرندي” يعد القوة الثانية بعد حزب جبهة التحرير الوطني، سواء من حيث عدد المنخرطين والأغلبية في البرلمان، فهو يزخر بمنتخبين ومنتخبات، وهم متواجدون بقوة في كل مؤسسات الدولة، حيث تمكن من الانتقال إلى مرحلة أخرى، أي مرحلة الحزب الكبير، لأنه يساهم في بناء الوطن في هذه المرحلة الصعبة من خلال تحقيق التنمية المستدامة، وهو يؤدي ما عليه في الحكومة، بتنويع الاقتصاد الوطني وخروج الوطن من تبعية البترول بإطاراته، فرغم الهزات لايزال يحافظ على قوته رغم النقائص المسجلة في الممارسات اليومية له، وأقصد هنا بأن عديد الإطارات التي خدمت ولاتزال تخدم الحزب هي مهمشة اليوم، حين أضحى “الأرندي” رهينة بعض المجموعة غير القادرة على إعطاء اللازم للوطن.

لمن توجهون أصابع الاتهام، ومن تقصدون بمجموعة من المناضلين؟

مجموعة من المناضلين الذين يسيرون الحزب حاليا، أقصد أويحيى وجماعته، لحد الساعة لم نستخلص الدروس وليس لدينا بعد النظر، خاصة وأن هناك آلاف المناضلين والمناضلات مهمشون، بسبب النظرة الضيقة للحزب، على اعتبار أن “الأرندي” بحاجة ماسة إلى جميع مناضليه وإلى أفكارهم، خاصة في ظل الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.

بالعودة إلى الوراء، فترة تسيير أويحيى الثانية جعلت الحزب مستقرا بمعنى لم نسمع أصواتا للمعارضة، لكنك نطقت بصوت عال وقمت بوصفه “بالثكنة”، كيف جاءتكم الجرأة لشق عصا الطاعة؟

 نعم أنا من وصفت الحزب بالثكنة بسبب التجاوزات الكبيرة المسجلة والتي وصلت إلى حد لا يطاق، فنحن مناضلون وإذا قبلنا بكل شيء دون معارضة سنأخذ الحزب والبلاد إلى الهاوية، وبالتالي فقد وجب علي التحرك.

على ذكر تحرككم لشق عصا الطاعة، يقال بأن دوائر في السلطة هي من أوعزت لكم التحرك، وإن كنتم قلة وتأثيركم في الحزب لم يكن قويا، ما تعليقكم سيدتي؟

أبدا، كنت أنا وحدي، تنقلت أنذاك إلى دار الصحافة ودعوت مجموعة من الصحافيين المختصين في الشأن السياسي، وأصدقك القول بأن حتى زوجي لم يكن يعلم بالأمر، ولم أخبره، وبعدها التحق بي مجموعة من المناضلين، لكن لما انطلقت كنت وحدي ولا أزال أحتفظ بنفس القيم التي أتيت من أجلها للحزب وبقيت على مواقفي رغم عودة أويحيى. كما أؤكد لك بأن لا شيء تغير بعد عودة أويحيى، فهو يسير الحزب بنفس الجماعة وبنفس الطرق، بحيث لا يوجد نقاش حتى حول القضايا الهامة جدا كالوضع الاقتصادي الراهن.

كيف ترى نورية حفصي الصراع القائم بين حزبكم “الأرندي” و”الأفلان”، أم هو مجرد سيناريو تم حبكه لإظهار معارضة مزيفة أو مفتعلة، وهل تم إقحامك في الصراع؟

لا، أبدا، لم يتم إقحامي في الصراع، ومن الطبيعي جدا أن تكون هناك صراعات بين أحزاب السلطة، خاصة بعد تعديل الدستور الثالث بعد 2002 و2008، وذلك بغية الظفر بمنصب المنصب الأول أو لنيل بعض الحقائب الوزارية، وبالتالي فأنا أرفض أن أسميه صراعا، لكن دعيني أقول بأن السبب الذي يقف وراء تغير مواقف أويحيى تجاه الأمين العام للأفلان عمار سعداني، هو خروج الرئاسة ببيان أين قطعت الشك باليقين، حين أعلنت في برقية خاصة بأن الرئيس بوتفليقة لن يجري أي تعديل حكومي في الوقت الراهن، وبالتالي خمدت تلك النيران التي كانت مشتعلة، حتى أنني أرى أنه ليس ضروريا أن تلتهب النيران بين الحلفاء، خاصة في الظرف الراهن.

 

قاسم كبير القيادي السابق وأحد مؤسسي الأرندي

زروال هو من اقترح علينا تكوين قوة سياسية جديدة.. ولا وجود لأحزاب في الجزائر

هكذا تمت الإطاحة ببن بعيبش والمجيء بأويحيى

في هذا الحوار، يعود قاسم وكبير، وهو أحد ابرز مؤسسي “الأرندي” بالتفصيل إلى قصة نشأة التجمع الوطني الديمقراطي، وخلفيات استحداث هذا الحزب الذي قال عنه الكثير إنه ولد بشوانب تركية، ويرفض كبير اعتبار “الأرندي” حزبا ويفضل وصفه بـ “التنظيم”، لكون مصيره لا يمتلكه مناضلوه، فضلا عن محطات بارزة عاشها الحزب.

كيف تبلورت فكرة تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي؟

من الصعب على الإنسان التجرد حتى يصل إلى حقيقة الجواب على هذا السؤال. كانت هناك ظروف أمنية وسياسية بالخصوص.. كانت تلك الظروف من بين الأسباب التي ساهمت في تبلور فكرة إنشاء حزب جديد، وكانت الفكرة في البداية صعبة التقبل من جانب أن البلد لازال يعيش وحدوية النظام السياسي. كان من الصعب تقبل هذه الفكرة لدى الكثير من المثقفين السياسيين والإعلاميين. حزب يبرز بهذه الطريقة فجأة، ويصل إلى ما وصل إليه، هذا أثار عدة تعجّبات.

هناك من يقول إن “الأرندي” ولد من رحم “الأفلان” ليكون ضرة للأفلان.. ما جدية مثل هذا الكلام؟

هذا الكلام لو نأخذه من مفهومه السياسي، هو حقيقة، لكن لو نأخذه من جانب ما فرضه الواقع، فلنا تحليل أيضا. قبل الثورة كانت هناك أحزاب، ثم انضمت إلى حزب يسمى جبهة التحرير. بعد الاستقلال وقع ما وقع.. فقد أصبحت الجبهة حزبا واحدا. هذه الجبهة لها فكر، وهذا الفكر فكر الثورة والتاريخ والجزائر العميقة.. هذه هي جبهة التحرير، بحيث لما بدأ مسعى التعددية، والمسألة الديمقراطية في الجزائر، تنمو من الناحية الفكرية لدى الطبقات المختلفة، أصبحت المرجعية الوحيدة في الجزائر هي جبهة التحرير. لذلك كانت هي المرجعية الوحيدة التي أخذت منها كل الأحزاب.

من يقول مثل ذلك الكلام، يبرره بأن مكونات التجمع الوطني الديمقراطي، كانت توصف بأنها روافد لحزب جبهة التحرير الوطني، مثل المنظمة الوطنية للمجاهدين ومنظمة أبناء الشهداء والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات.. هذه المنظمات هي التي كونت الأرندي.

كيف اهتديتم إلى هذه الإستراتيجية في خلق الحزب الجديد؟

كانت الساحة السياسية غير مهيكلة، لذلك البناء فيها كان ممكنا. الجانب الثاني هو أن البلاد مرت بوضعية سياسية وأمنية بالخصوص خطيرة جدا.. الارهاب كاد أن يدمر البلاد تدميرا كليا.. المعارضة كانت شبه منعدمة وغائبة، النظام السياسي كان يحتاج إلى قوة سياسية. والأفلان يومها التصقت به اتهامات كثيرة، مثل فضيحة الـ26 مليار دولار التي فجرها الإبراهيمي.. هذا الجانب هو الذي دفع الناس للتفكير في تشكيلة سياسية مساعدة للأفلان.

هناك من يقول إن التفكير في خلق حزب سياسي جديد يكون بديلا أو مساعدا للأفلان، جاء بعد نقل مهري الحزب العتيد للمعارضة.. ومادام أن مهري تمت الإطاحة به قبل تأسيس الأرندي، فلماذا تواصل المسعى بعد رجوع الحزب الواحد سابقا إلى حضن السلطة؟

المسألة ليست مجرد لماذا حزب آخر. أنا قلت في البداية، المجتمع الجزائري لم يكن مهيكلا سياسيا.. والدليل القاطع على ذلك هو فوز “الفيس” في انتخابات 1990، بعد أن تبنى شعارات مثل الدفاع عن “المحقورين”..

هل يمكن أن تذكر لنا أين كانت تجرى اللقاءات والأشخاص الذين كانوا يحضرونها، للتحضير لإنشاء الأرندي؟

كان زروال يومها رئيسا للدولة، ولما خلصت لجنة الحوار الوطني من أشغالها، نادانا رئيس الدولة لمقابلته، أقصد أعضاء لجنة الحوار.

هل يمكن ذكر الأسماء؟

كان هناك ثلاثة جنرالات وعقيد. كان الجنرال الطيب الدراجي، الجنرال محمد تواتي، الجنرال أحمد صنهاجي، والقيادي بالولاية الرابعة التاريخية، يوسف الخطيب، بالإضافة إلى مدير المدرسة الوطنية للإدارة، الدكتور طيار، ونقيب المحامين السيد بوعديس، والمتحدث عضو المجلس الدستوري، وعبد القادر بن صالح مقرر لجنة الحوار.

إذا، قلت استدعانا زروال مباشرة بعد نهاية الندوة، وانطلقت المرحلة الانتقالية الجديدة، وبحثنا مسألة إنشاء المجلس الوطني الانتقالي، وطرح علينا مسألة تكوين قوة سياسية جديدة، ومن بين ما قلته له، أننا نعيد بناء حزب جبهة التحرير الوطني بناء جديدا، أو بناء حزب جديد من المدرسة الجزائرية ليكون مساعدا فعالا لجبهة التحرير..

من كان معك عندما التقيت زروال؟

كنت وحدي، لأن الرئيس التقى كل واحد من أعضاء اللجنة لوحده. ومن بين ما أذكره أن زروال كلف بن صالح برئاسة المجلس الانتقالي وكلفت أنا برئاسة اللجنة القانونية وبدأنا نشتغل.

من هو أول من دعا لإنشاء “الأرندي” بتسميته الحالية؟

أن أول من ناداني لإنشاء حزب جديد، هو المرحوم عبد الحق بن حمودة، وقد أطلعني على المشروع.

وباركت المشروع؟

بالطبع. واستمر الأمر إلى أن قتل بن حمودة وكنا يومها في رمضان. وبعدها تحوّل الملف إلى عبد القادر بن صالح.

يقال إن الجنرال بتشين والأمين العام السابق للرئاسة، المرحوم عمار زقرار هما مهندسا الأرندي؟

ممكن يكون الجنرال محمد بتشين من مهندسي المشروع.

في خضم تلك الإرهاصات.. هل اتصل بكم قياديون في حزب جبهة التحرير الوطني لثنيكم عن الفكرة؟

في ذلك الوقت كان الجميع يهمه أمر خروج البلاد من الأزمة..

كيف تلقيتم تنحية مهري من الأفلان؟

الأمور كانت واضحة، وهي أن مهري كان لوحده في الساحة حتى ولو كانت فكرته سليمة.. والانقلاب العلمي هي مصطلحات سياسية. مهري انتهى وقته، ولو لم يرد الرجل الذهاب لما ذهب.

وهل تنحية مهري كانت بإرادة من مناضلي الأفلان أم بإرادة من خارجه؟

لو نعود إلى القناعات الحزبية في الجزائر، فلا يمكنني الجزم بوجودها إطلاقا. القناعات السياسية غير موجودة، وما هو موجود هي القناعات المصلحية.

من بين التهم التي وجهت للأرندي هو أنه ولد “بشوانب تركية”.. ونتائج تشريعيات 1997 هي التي رسخت هذه الاعتقادات. ما تعليقكم؟

المؤرخون هم من يكتبون..

أنتم في الحزب كنتم تؤمنون بوجود قوة تدفعه من خارجه؟

في الجزائر ليس هناك أحزاب وإنما تنظيمات.. هناك أشخاص وليس أفكار.

هل أنت مقتنع بنتائج الأرندي في 1997؟

ليس كل ما يفعله السياسيون مقتنعون به. نحن لازلنا في البداية. حتى الدول العريقة في الديمقراطية لاتزال لديها مشاكل ديمقراطية. بالنسبة لي كان يمكن أن نقلل من نسبة فوز الحزب في 1997 بنحو 25 أو 30 بالمائة، نظرا لتطور العصر.. نحن لازلنا بحاجة إلى تراكمات قرن لإرساء ديمقراطية حقيقة.

أول أمين عام للأرندي كان الطاهر بن بعيبش، كيف تم اختياره بديلا عن عبد القادر بن صالح الذي أدار المرحلة التأسيسية؟

أنا من الذين لم يوافقوا على بن بعيبش، لعدد من الأسباب، أولها أن الحزب جديد التكوين، وثانيا لأن كيفية الاختيار لم تكن ديمقراطية.

ماذا تريد قوله؟

كانت هناك ممارسات غير ديمقراطية..  القرار نزل وكأننا في إدارة.

النقطة الأخرى هي أن بن بعيبش كان لازال شابا يومها، ولا يمكنه أن يكون في مستوى التحديات التي كانت تواجهها البلاد أنذاك.

برأيك، من فرض بن بعيبش أول أمين عام للأرندي؟

القرار مصدره الرئاسة.

تقصد الرئيس زروال؟

زروال، لا. كان رجلا مخلصا وطيبا.

إذن، أنت تقصد الجنرال بتشين؟

لم أتحدث عن بتشين.

تقصد المرحوم عمار زقرار؟

أنا أقول الرئاسة وكفى.

لماذا تم اختيار بن بعيبش بالرغم من وجود الكثير من الشخصيات الأكبر منه وزنا؟

هذا السؤال يوجه لبن بعيبش أو للجهة التي عينته.

أنت كنت ضد تولي بن بعيبش قيادة الحزب. من شاركك في الموقف..؟

هناك الكثير.. كانت هناك قوائم إمضاءات من الولايات.

نريد أسماء لوجوه بارزة؟

كانت هناك وجوه كثيرة..

(يبدو أنك لا تريد ذكر الأسماء.. فلنتجاوز هذه النقطة)

كيف تمت الإطاحة ببن بعيبش؟

هذه المرحلة الثانية لتأسيس الأرندي. وقد بدأت بقرب قدوم الرئيس بوتفليقة للحكم.

هل نفهم من كلامك أن ذهاب بن بعيبش مرتبط بذهاب زروال وبتشين من الرئاسة؟

زروال، لا أعتقد، ربما بتشين وزقرار نعم.

لم تذكر لنا حيثيات الإطاحة ببن بعيبش..؟

لما تقرر تقديم بوتفليقة كمرشح إجماع وبدأت اللقاءات بالأحزاب، وضع بن بعيبش شروطا مقابل دعم الأرندي لمرشح الإجماع.

وما هي تلك الشروط؟

يمكن تقسيم السلطة. وهذا ربما لم يعجب أطرافا في السلطة.

إذن من هنا بدأت آلة الإطاحة ببن بعيبش؟

نعم.. لقد كنت أول من اتصل ببن بعيبش، وقلت له يا سي الطاهر، نحن جاءت بنا ظروف، وهذه الظروف لاتزال مستمرة، وقد دخلنا بناء مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة، وطلبت منه دعم المرشح بوتفليقة، لأن النظام اختاره. فقال أنا لن أمشي، وإذا أردتم أخذ الحزب فليكن.. وبقيت معه أربع ساعات، ولم استطع إقناعه.

كان يعتقد أنه محصن من فقدان الحزب؟

نعم. وهنا أذكر أنني أشهدت عليه رجلين اثنين، واحد هو عبد القادر مالكي (سيناتور حالي). وقلت لـ”سي الطاهر” بوتفليقة هو الرئيس المقبل، شئت أم أبيت. ولا حزب لديك، لأنه مجرد هيكل إداري، وهذا الهيكل أنشأ لجان مساندة لدعم الرئيس.. فرد مؤكدا موقفه السابق. وقلت له لا تلومنّ إلا نفسك.

وفي الليلة ذاتها توجهت لعبد القادر بن صالح وقلت له يا سي عبد القادر لقد تخلفنا عن الركب. فقال لي ما العمل؟ قلت له يتعين علينا التحرك، نحن أكبر قوة سياسية في البلاد، ثم طلبنا لقاء أويحيى ببيته ورافقني مالكي إلى بيته. وبدأنا نتصل بالوزراء (بحبوح، رحماني، بن بوزيد، قيدوم..) لجمع توقيعات الثلثين لعقد اجتماع المجلس الوطني لسحب الثقة من بن بعيبش. وفي غضون أسبوعين دعونا لدورة استثنائية بفندق الأوراسي. وأذكر أن مكتب الدورة اجتمع سرا واقترح أويحيى لقيادة الحزب، بعد تنحية بن بعيبش.

من كان وراء اقتراح أويحيى؟

أنا أول من اتصل به، لكن اللجنة اجتمعت دون علمي ورشحته وتم تبني الفكرة.

من بقي وفيا لبن بعيبش؟

أذكر وزير النقل الأسبق عبد العزيز بن داكير، وامرأة مؤسسة من جيجل..

كيف دب الخلاف بينك وبين أويحيى؟

أذكر أنني طلبت لقاء أويحيى لاستفساره عن خلفية خسارة الحزب للعديد من الحقائب الوزارية في أول حكومة للرئيس بوتفليقة، وهو الذي كان يحوز على الأغلبية في البرلمان، فمن 23 حقيبة لم يتبق منها سوى خمس حقائب فقط، فضلا عن أن قيادة الحزب لم تسمع إطلاقا بالحكومة الجديدة والأسماء التي قدمها للإستوزار.

مقالات ذات صلة