-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

زوال إسرائيل.. حقيقةٌ من الداخل

ناصر حمدادوش
  • 4184
  • 0
زوال إسرائيل.. حقيقةٌ من الداخل

تعدُّ مقولة “زوال إسرائيل” من النبوءات الأكثر تداولاً، وهي من الأمنيات التي تعلَّق بها البعض، وقد سيطرت هذه النبوءة حتى أصبح أصحابُها أسرَى لهذا التفكير الرغائبي، ممَّا جعلهم يغرقون في أحلامٍ ورديةٍ، لا ترقى إلى تحقيق ذلك وفق قوانين الحرب وقواعد الصِّراع وأسباب القوة.

العجز عن مواجهة هذا الخطر الصهيوني لمدةٍ تزيد عن 74 سنة منذ 1948م هو ما عزَّز الطرح المقابل، وهو: الإنكار الكلِّي لهذه الإمكانية في زوال إسرائيل، على الأقل في المنظور القريب، وذلك لعدَّة اعتبارات، منها: فارق القوَّة العسكرية والتكنولوجية، ورسوخ ارتباطها بالمنظومة الغربية وخاصة أمريكا، وانهزامية الأنظمة والجيوش العربية، بل واختراقها بمسألة التطبيع، وتجاوزها إلى محاولات دمجها إقليميًّا، وعقدها لاتفاقياتٍ إستراتيجيةٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ متعدِّدةٍ ومتعدِّية.

لقد تنبَّأ الشيخ “أحمد ياسين” مؤسِّس حركة “حماس” سنة 1999م بزوال إسرائيل في حدود سنة 2027م استنادًا إلى استشرافاتٍ قرآنية، في قوله تعالى: “قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ، أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلْأَرْضِ، فَلَا تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَٰسِقِينَ” (المائدة:26)، وهو العمر الزمني لتغيُّر الأجيال، فالأربعين سنة الأولى منذ 1947م  كانت سنوات النكبة، والأربعين سنة الثانية منذ 1987م كانت سنوات الانتفاضة والمقاومة، وأنَّ الأربعين سنة القادمة ابتداءً من 2027م ستكون سنوات الجهاد والتحرير، وأنَّ حالة اليأس العامَّة في الأمَّة، وحالة غرور القوة لهذا الكيان -ومَن يقف وراءه- لا تغني عنه من الله شيئًا، وهي الحالة التي تشبه قوله تعالى: “هُوَ ٱلَّذِي أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ، مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ، وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ، فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ..” (الحشر:02).

قد يكون الحديث عن “زوال إسرائيل” وَهْمًا مبالَغًا فيه، وأنَّه لا يستند إلى أيِّ تحليلٍ منطقي، إلاَّ أنَّ قراءة هذا الكيان الصهيوني من الداخل، واستقراء الاعترافات الصَّادرة من عمق منظومته السِّياسية والفكرية والعسكرية تؤكِّد حالة الشكِّ في مستقبل “إسرائيل”، وتعزِّز من صدقية نبوءة زوالها.

يقول الرئيس السَّابق لجهاز الموساد: “بينما كثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آليةِ تدميرِ الذَّات التي جرَى إتقانها في السنوات الأخيرة، مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة.. لأنَّ إسرائيل تنهار ذاتيًّا.”.

القلق من “زوال إسرائيل” هو يهوديٌّ ذاتيٌّ بامتياز، يُؤسَّس على حالة الشكِّ في مستقبلها كدولةٍ يهودية؛ فهذا رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق “إيهود باراك” يؤكِّد في مقالٍ له في صحيفة “يديعوت أحرنوت” بمناسبة الذكرى 74 لقيام إسرائيل (14 ماي 1948م)، أنه: “على مرِّ التاريخ اليهودي لم تعمِّر لليهودِ دولةٌ أكثر من 80 سنة إلا في فترتين، وكلتا الفترتين كانت بداية تفكُّكها في العقد الثامن، والدولة العبرية الصهيونية الحالية في عقدها الثامن، وأخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن..”، وسينتهي هذا العقدُ الثامن سنة 2028م، وهي اللعنة التي أصابت دولاً يهوديةً سابقة، مثل: “مملكة داود” الأولى بين عامي 586- 516 قبل الميلاد، و”مملكة الحشمونائيم” بين عامي 140-37 قبل الميلاد، وهي الدول الوحيدة التي قامت في تاريخ اليهود ولم تعمِّر أكثر من 80 سنة.

وكان رئيس الوزراء الصهيوني السَّابق “بنيامين نتنياهو” قد أعلن عام 2017م قوله: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة، لأنَّ مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمنًا، وليست بديهية، فالتاريخ يعلِّمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”، وعبَّر وزير الحرب الصهيوني “بيني غانتس” عن مخاوفه “الوجودية” من “زوال إسرائيل” خلال المستقبل القريب، فقال: “إنَّ المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على “إسرائيل” في المستقبل ليست بعيدة عن الواقع، وأنَّ “الدولة اليهودية ستتقلَّص خلال السنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة”، وبالتالي فإنَّ تجاوز إسرائيل للعقد الثامن يبدو مخالفًا لما درجت عليه سننُ التاريخ اليهودي، وهو الرُّعب الذي يسكن الصهاينة، ويسكن القوى الاستعمارية الغربية التي تقف وراءهم.

يقول الرئيس السَّابق لجهاز الموساد: “بينما كثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آليةِ تدميرِ الذَّات التي جرَى إتقانها في السنوات الأخيرة، مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة.. لأنَّ إسرائيل تنهار ذاتيًّا.”.

ومع أنَّ البعض يعتقد بأنَّ هذه النبوءة هي إستراتيجيةٌ خبيثةٌ لاستعطاف اليهود من أجل الالتفاف حول دولتهم المعاصرة، وضمان استمرار الدعم الغربي غير المحدود لها، إلاَّ أنَّ هذه المواقف الصهيونية من الداخل لا يمكنها أن تتواتر بهذا الشكل لولا هذا الشعور الحقيقي بخطر الزوال، فليس من الطبيعي أن نسمع عن دولةٍ بعنفوان قوَّتها الظاهرة وجبروت طغيانها الصَّارخة يتحدَّث أغلبُ قادتها عن قرب زوالها.

إنَّ هؤلاء الصهاينة لا يتحدَّثون عن الخطر الخارجي، والمتمثل في سيناريو الزوال بتعاظم قوى المقاومة في المنطقة، وتهاطل مئات الآلاف من الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، مما يدفع الصهاينة إلى الهجرة العكسية، وترك الجيش الصهيوني ينهار بلا ظهيرٍ شعبي، فيتحوَّل إلى عصابات متفرقة يسهل اصطيادُها برًّا، وهم أجبن خلق الله تعالى في المواجهة البرِّية المباشِرة، وإنما يتحدَّثون عن خطر هذا الزوال لأسبابٍ داخليةٍ وذاتية.

وهذا المحلِّل الإسرائيلي المخضرم “آري شافيط” يقول في صحيفة “هآرتس”: “اجتزنا نقطة اللَّا عودة، وإسرائيل تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليُّون يُدركون مُنذ أن جاءوا إلى فلسطين أنهم ضحيَّة كذبةٍ اختَرعتها الحركة الصهيونيَّة..”، ويدعِّمه الكاتب الإسرائيلي اليساري “جدعون ليفي” فيقول في نفس الصحيفة: “إنَّنا نُواجه أصعب شعبٍ في التَّاريخ، وعمليَّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيَّة، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديديَّة ولا بالأسوار ولا بالقنابل النوويَّة”.

ويتمثَّل هذا الخطر الداخلي في أزمة الهوية والديمقراطية، فهذا الجنرال المتقاعد “شاؤول أرئيلي” المستشرق والمختص في الصِّراع العربي الإسرائيلي يقول: “إنَّ الحركة الصهيونيَّة فشلت في تحقيق حُلم إقامة دولةٍ إسرائيليَّةٍ ديمقراطيَّةٍ بأغلبيَّة يهوديَّة، وإنَّ الوقت ليس في صالح إسرائيل، وإنَّ هذه النظريَّة سقطت”، أي أنَّ المعجزة الصهيونية تتفكَّك من الداخل، وأنَّ الصراعات الداخلية بين تياراتها اليهودية تنذر بزوالها، وهو ما يعمِّق صراعها على الثقافة والهوية المستقبلية للدولة العبرية، والتي يصدق فيها قول الله تعالى: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ، بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ” (الحشر:14).

وهذا الكاتبُ الصحفي “آري شافيت”، الذي استعرض في كتابه “البيت الثالث” -إشارةً إلى “دولة إسرائيل” الحالية-  كيف أصبح الإسرائيليون: “العدوّ الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية”، قائلا: “يمكن مواجهة التحدِّيات الأمنية، لكن تفكُّك الهوية لا يمكن التغلُّبُ عليه”، ثم يجزم ويقول: “لن يكون هناك بيتٌ رابع.. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشَّعب اليهودي”.

وبالرغم من كون إسرائيل هي معجزةُ الصهيونية في العصر الحديث بتأسيس دولةٍ من العدم سنة 1948م، وهي قصةُ نجاحٍ نادرةٍ لليهود، إلا أنَّها ممزَّقة، وهي الآن تنزف وتتألَّم، بعد أن فشلت في ضمان نصاب بقائها، يقول الكاتب “جدعون ليفي”: “إنه لن يستطيع أحدٌ وقف عملية التدمير الذاتي الداخلي الإسرائيلي، فمرض إسرائيل السرطاني قد بلغ مراحله الأخيرة ولا سبيل لعلاجه”، ويقول “رونالد لودر” رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في مقالٍ له بصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية: “كارثة الدولة الواحدة تهديدٌ وجوديٌّ خطيرٌ، ففي عام 2020م وللمرة الأولى منذ عقود – ارتفع عدد السُّكان العرب الذين يعيشون بين البحر ونهر الأردن ارتفاعًا طفيفًا فوق عدد السُّكان اليهود، وهي معضلةٌ قاسية، إذا أعطت الفلسطينيين الجنسية الكاملة؛ ومن ثمَّ الحقوق الكاملة، لن تعود إسرائيل دولة يهودية، وإذا لم تفعل ذلك فلن تكون ديمقراطية، وفي كلتا الحالتين فإنَّ إسرائيل بوصفها دولة يهودية ديمقراطية سوف تتوقَّف عن الوجود”.

إنَّ تغيُّر موازين القوة في العالم الآن، وانحياز “إسرائيل” الكلِّي إلى أمريكا يجعلها تخسر ضمان توازن علاقاتها السابقة مع روسيا والصين وإيران، ومستقبلاً مع تركيا، وقد سجَّل العقلُ الاستراتيجي تراجع الهيمنة الغربية، وبداية النهاية لأمركة العالم بالأحادية القطبية، وهو ما سيفتح المجال لقوى المقاومة (السُّنية والشيعية) بالتموقع الصحيح، استعدادًا لهذه المعركة الوجودية، والتي ستنتهي بزوال إسرائيل حتمًا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!