الرأي

زيارة قصيرة لرئيس فرنسي “مقتصد”

حبيب راشدين
  • 7204
  • 14

يحل اليوم الأربعاء بمطار هواري بومدين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في زيارة خاطفة تقلّ عن 12 ساعة، هي أغرب وأقصر زيارة لرئيس فرنسي، يكون قد حرق جميع أوراقه التفاوضية مع الجزائر قبل استضافة نفسه بنفسه في بلد هو في طريقه إلى فك الارتباط مع القوة الاستعمارية القديمة على جميع الأصعدة: السياسية، الاقتصادية، وحتى الثقافية مع مرور الوقت.

هذه أول زيارة لرئيس استضاف نفسه بنفسه، حين أعلن من أحد شوارع فرنسا نيته في زيارة الجزائر دون صدور أي بيان رسمي من الرئاستين: الجزائرية والفرنسية، يوصف الزيارة، وتحدد خطوطها العريضة، حتى أننا لا نعلم يقينا: هل سيحظى ماكرون بفرصة التباحث مع الرئيس؟ أم أنه سوف يقنع بجولة سياحية، وحمام شعبي مصغر  له ولحرمه بشارع العربي بن مهيدي، وبعض اللقاءات البرتوكولية بما في ذلك التقاط صورة مع الرئيس بوتفليقة لحفظ ماء الوجه؟

تسعة أشهر منذ توليه الرئاسة الفرنسية، كانت كافية لتبديد الرصيد الذي صنعه “المجتهد” ماكرون وهو مرشح بتصريح وصف فيه الاستعمار بـ”الجريمة ضد الإنسانية” قبل أن ينسف جسور التواصل ماكرون الرئيس “المقتصد” ابتداء من تصريحه المسيء للجزائر من مالي، ثم بتخصيص أول زيارة له كرئيس للجارة المغرب، ومحاولة إقصاء الجزائر من إدارة ملف الأزمة الليبية، وأخيرا محاولة الضغط داخل الاتحاد الأوروبي في اتجاه حرمان الجمهورية العربية الصحراوية من المشاركة في القمة الإفريقية والأوروبية. 

وحيث إن العلاقات بين الدول إنما تحكمها المصالح، فإن الجزائر لم تعُد لها مصالح مشتركة تُذكر مع القوة الاستعمارية القديمة: لا سياسيا، ولا اقتصاديا، ولا دبلوماسيا؛ فالجزائر نجحت في تدبير علاقات متوازنة ومنفتحة مع جميع الدول العظمى، من الشرق والغرب، ولم تكن في حاجة إلى ظهير سياسي فرنسي يتعامل معها كبلد تحت الوصاية، كما هو شأن المغرب وكثير من المستعمرات الفرنسية السابقة، ولها اليوم شراكة جيدة مع دول أربع من بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وأفلحت في تطوير علاقات سياسية اقتصادية وأمنية متماسكة مع الولايات المتحدة، كما حررت علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي من الوصاية الفرنسية، واستطاعت حتى الآن التصدي بكل جدارة لبؤر التوتر التي زرعتها فرنسا على طول حدودنا الشرقية والجنوبية، وأفشلت جميع المناورات الفرنسيةـ المغربية حيال ملف النزاع المستدام في الصحراء الغربية.

آخر ورقة كان يناور بها الرؤساء الفرنسيون من خلال بعض بؤر التأثير داخل النظام الجزائري، وتحديدا حيال موقع الرئاسة، تكون قد ذابت مع عمليات “التطهير” المتواصلة التي قادها الرئيس بوتفليقة، وانتهت بتوحيد قيادة الجيش، وإعادة الإمساك بالمؤسسات الأمنية، ولم يعد لفرنسا دورٌ يُذكر في المواعيد الانتخابية، ومنها الموعد الرئاسي القادم، وقد حرم ماكرون من فرصة استعراض نسخة من خطابه الاستعماري العنصري المتعالي في بوركينا فاسو، ورفض طلب يكون قد تقدم به لعقد لقاء مع الطلبة، أو مع منظمات المجتمع المدني.

بقي أن الجزائر بلد مضياف، لا يمانع في تحرير أحد شوارع العاصمة للرئيس الفرنسي وحرمه، وتسهيل التقاط صور “السلفي” مع بعض شباب العاصمة، وربما حتى مع بعض أيتام “حزب فرنسا المنحل” قبل شدِّ الرحال في العاشرة ليلا إلى صديقه القطري المرحِّب بكل زيارة تساهم في كسر حصار الأشقاء. 

مقالات ذات صلة