الرأي
هكذا تفرّق أمّة الإسلام في أيام الحجّ

زيارة كربلاء في يوم عرفة!

سلطان بركاني
  • 4958
  • 0

تناقلت كثير من المواقع قبيل عيد الأضحى المبارك خبرا مفاده أنّ أكثر من مليون زائر من العراق ودول الخليج ودول أجنبيّة أخرى، وفدوا على كربلاء يوم الأربعاء قبل الماضي، الموافق ليوم عرفة، لأداء مناسك زيارة عرفة عند ضريح الحسين رضي الله عنه.

وبينما كان حجّاج بيت الله الحرام يتوافدون على صعيد عرفات الطّاهر، في موكب بهيّ بهيج يبعث في القلب الخشوع والاعتزاز بعظمة هذا الدّين، ويبعث في النّفس الأمل في وحدة هذه الأمّة وعودتها إلى عهود عزّتها. موكب واحد وتلبية واحدة ولباس واحد وهدف واحد، في يوم ما رئي الشّيطان أغيظ ولا أذلّ ولا أحقر منه في ذلك اليوم.

في هذا الوقت بدأ توافد مئات الآلاف من المغرّر بهم على أرض كربلاء بالعراق، لأداء مناسكزيارة عرفةعند قبر الحسين رضي الله عنه، في موقف يوحي بأنّ هناك مؤامرة دبّرت لصرف هذه الأمّة عن موقف عرفة الذي كان ولايزال وسيبقى غصّة في حلوق الحانقين والمتربّصين بهذا الدّين، بل وصرفها عن الكعبة المشرّفة التي تهوي إليها أفئدة المؤمنين، إلى مشاهد تقام عندها مناسك ظاهرها توقير أئمّة أهل البيت، وباطنها إحياء فكرة كعبة الضّرار التي ابتدأها أبرهة الحبشيّ في اليمن، وأعاد إخراجها المتربّصون تحت ستار زيارة وعمارة مراقد الأئمّة، الذين كانوا من أبعد النّاس عن تعظيم القبور والدّعوة إلى تشييدها وإقامة المناسك عندها، بل كانوا يزجرون عن مجرّد رفعها عن الأرض.

إنّ المرء ليشفق لحال أولئك الذين ألغوا عقولهم وأسلموا قيادهم لعواطفهم، وسلّموا أنفسهم فريسة سهلة ولقمة سائغة للخلايا المتآمرة على هذا الدّين، وإلا فهل يمكن أن يخفى على ذي لبّ لبيب، أنّ الهدف من وراء اختراع مناسك عرفة عند قبر الحسينرضي الله عنه وبرّأهفي أيام الحجّ بالذّات، هو صرف المسلمين عن الحجّ إلى الكعبة المشرّفة وترغيبهم في شدّ الرّحال إلى كربلاء؟

نحن لا ننكر زيارة القبور إذا كان الهدف منها تذكّر الموت والآخرة، والسّلام على أصحابها والدّعاء لهم وصِلتهم، ولكنّنا ننكر هذه البنايات الشّاهقة التي تبنى على قبور الأموات لفتنة الأحياء، وننكر أن تتحوّل القبور إلى مزارات توضع عندها النّذور والأعطيات، ويُدعى ساكنوها ويستغاث بهم وتطلب منهم الحاجات، كما ننكر أن تخصّص مواسم معيّنة لزيارتها، وتخترع لها مناسك تضاهي مناسك زيارة الكعبة المشرّفة، تؤصّل لها مصادر تخصّص أبوابا كاملة لبيان تلك المناسك، بل إنّ كتبا كثيرة صنّفت في مناسك المزار، وقد ذكر العالم الشّيعيّ آغابزرك الطّهرانيّ في كتابهالذّريعة إلى تصانيف الشّيعة” 60 عنوانا ألّفها شيوخهم في المزار ومناسكه، منها: “مناسك المشاهدللمفيد؛ نحن ننكر هذا وذاك، ونأسف لحال أولئك المفتونين الذين ينساقون لمؤامرات مفضوحة مكشوفة، بل ومسطورة في نصوص حوتها مصادر تطبع وتوزّع على أوسع نطاق، تنسب إلى أئمّة أهل البيترضي الله عنهم وبرّأهمروايات تقلّل من شأن حجّ بيت الله الحرام وترغّب في الحجّ إلى المراقد والمشاهد، منها على سبيل المثال رواية تنسب إلى الإمام الصّادق أنّه قال لأحد أصحابه: “والله لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته (يقصد الحسين رضي الله عنه) وبفضل قبره، لتركتم الحجّ رأسا وما حجّ منكم أحد، ويْحك أما علمت أنّ الله اتخذ كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكّة حرما“. (بحار الأنوار)!!!

ولعلّ ممّا يؤسف له حقيقة، أنّ مؤامرة صرف المسلمين عن الحجّ إلى بيت الله الحرام، والتي حيكت خيوطها في القرون الأولى، ربّما سيتساقط في حبائلها مزيد من المفتونين في هذا الزّمان، وبخاصّة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها موسم الحجّ هذا العام؛ أحداث مؤلمة لا نتردّد في تحميل السلطات السعودية المسؤولية الأكبر عنها، كما لا نتردّد في إنكار المبرّرات التي يسوقها بعض العلماء والإعلاميين للتّغطية على هذه الجريمة الشّنعاء، لكنّنا لا ينبغي أبدا أن نغضّ الطّرف عن روايات أخرى متوافرة تفيد بأنّ الحجّاج الإيرانيين كان لهم دور بارز في حدوث هذه الفاجعة، والحقّ يقال أنّها ليست المرّة الأولى التي تتسبّب فيها البعثة الإيرانية في مثل هذه الأحداث في موسم الحجّ وأيامه، ولعلّ العالم ل يزال يذكر ما حصل في حجّ سنة 1407هـ، أين قُتل أكثر من 400 حاجّ، بسبب أعمال الشّغب التي أحدثها الإيرانيون، والتي أعادت إلى الأذهان ما فعله الشيعة القرامطة أواخر عام 294هـ، أين تعرّضوا لحجاج بيت الله الحرام أثناء عودتهم من مكّة، وقتلوا ما يقارب 20 ألف حاجّ، حسب ما أورده ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ: 06 / 432- 433)، ثمّ أعادوا الكرّة وتعرّضوا للحجيج في سنة 312هـ، وفي يوم التّروية من سنة 317هـ أحدثوا مقتلة عظيمة بين الحجّاج وردموا زمزم بجثث الحجيج، وأخذوا الحجر الأسود إلى بلادهم، ومكث عندهم 22 سنة، حتى يسّر الله إعادته سنة 339هـ.

مقالات ذات صلة