-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سؤال الحكومة الشرعية وجواب الحكومة الذكية

سؤال الحكومة الشرعية وجواب الحكومة الذكية

يبدو أن بقاء النقاش السياسي في بلادنا حول الشرعية طال أكثر مما ينبغي، ففي الوقت الذي كان علينا أن نفصل في المسألة بالحسم اللازم، لنتفرغ إلى إقامة حكومات ذكية تُخفف الأعباء على المواطنين وتُمكنهم من الاندماج التدريجي في مجتمع المعلومات، مازلنا إلى اليوم في مستوى مناقشة كيفيات التداول على الحكم ومنع التزوير والغش… وهكذا بدل أن نرتقي إلى التفكير في بدائل المستقبل حول رشادة الحكم وفعاليته، نزلت خياراتنا إلى الخوف من خسارة البديل السلمي في التغيير.

بالفعل أصبح من المؤكد اليوم أن زمن نقاش مسألة مشروعية وشرعية نظام الحكم قد أخذ وقتا أكثر مما ينبغي. منذ استعادة الاستقلال ونحن نعيش إشكالية مَن يحكمنا وكيف؟ ومنذ الاستقلال والقوى السياسية المختلفة تتبادل التهم حول: مَن المشروع ومَن غير المشروع في الحكم، مَن لديه الشرعية ومن لا يملكها، من اغتصب الحكم ومن هو أحق به، من زوّر الانتخابات ومن لم يُزوِّرإلخ، في الوقت الذي يُعد لِزاما علينا اليوم إذا أردنا البقاء في هذا العالم أن نحل إشكاليات أخرى تتعلق بكيفية الاندماج التدريجي في مجتمع المعلومات، وكيفية إحداث تحولات جذرية في بنائنا الاقتصادي والاجتماعي لكي نعيد صوغ واقعنا بما يمكنه من البقاء في عالم اليوم قبل فوات الأوان.

حقيقة، تبدو لنا بين الحين والآخر بعض الإشارات الإيجابية الحاملة للمستقبل في قطاعاتنا الحكومية، إمكانية استخراج وثيقة الحالة المدنية رقم 12 مثلا من أي بلدية، أو إمكانية متابعة إنجاز جواز السفر البيومتري عبر الأنترنت، إشارات تدل بالفعل أن هناك وعيا في مستوى معيّن بأننا بالفعل في حاجة إلى ما سمّيناه منذ سنوات بعصرنة المرفق العام، ويُسميه البعض الآخر بعبارات أكثر لمعاناً بالدخول في حقبة الحكومة الإلكترونية. وعلينا أن ننطلق من هذه الإشارات الإيجابية بحق والتي تُشرف عليها إطارات جزائرية كفأة، لنطرح سؤال الإصلاح السياسي بطريقة أخرى:

أليس حيوياً بالنسبة لبلدنا أن نتجاوز الحديث عن مَن الشرعي ومَن غير الشرعي سياسياً لنصل إلى الحديث عن من الأكفأ ومَن غير الأكفأ؟ من الأقدر على تمكيننا من اللحاق بالأقوياء في القرن الحادي والعشرين ومَن ينبغي له أن يُفسح المجال للآخرين؟

يبدو لي أنه أصبح من مصلحة الوطن العليا اليوم أن يتم وضع حد لمسألة الوصول إلى الحكم عن طريق التزوير أو التلاعب بالبيانات المتعلقة بالانتخابات. ذلك عهد قد ولَّى وينبغي أن تُطوى صفحته إلى غير رجعة. على أعلى مستوى ينبغي أن يتوقف هذا إذا أردنا أن نبدأ في الإجابة عن السؤال الأصح: كيف يمكن أن نبقى في هذا العالم؟ وكيف ينبغي أن نُمكّن إطاراتنا في مختلف المجالات من أن تُفجِّر طاقاتها الخلاّقة فيما ينفع المجتمع، بدل محاولة ترويضها لكي تُصبح في خدمة هذه المجموعة السياسية أو تلك هذا الشخص أو ذاك.

نحن الآن في آخر مرحلة من مراحل إعادة بناء الدولة بالطرق المتعارف عليها من قبل النخبة السياسية الوطنية التي عاشت الحقبة الاستعمارية. لقد استنفذت هذه الطرق جدواها، كما استنفذت هذه النخب التي تشكّلت وفق آليات تفكير بداية منتصف القرن الماضي القدرة على مواجهة تحديات المرحلة الراهنة. كانت ومازالت وسائلها ناجعة لحد وقت قريب،سواء للحفاظ على استقرار الدولة أو على تطويرها وفق مقاييس العقود السابقة، ولكنها لم تعد كافية اليوم، ولن تستطيع الاستمرار أكثر في المستقبل، فضلا عن كونها لم تعد قادرة على استيعاب مقاييس ومعايير التطور الجديد. لذا فإنه عليها أن تُنهي مرحلة النقاش حول الشرعية لتُصبح تحصيلا حاصلا، وتدفع باتجاه النقاش حول فاعلية الأداء من خلال الشروع التدريجي في التحول إلى صنف الحكومات الذكية التي تجعل من أرقى أنواع تكنولوجيات الإعلام والاتصال وسائلها في تحقيق رشادة مُثلى في الحكم.

إننا نشعر بوجود جميع العناصر التي تؤهلنا لذلك في أكثر من مستوى، وبخاصة في جانب الموارد البشرية الجزائرية التي تم تكوينها في العقود السابقة، وهي من النتائج الحسنة للسياسات السابقة وفق منظورها للتكوين والغاية منه. الانسداد الوحيد الذي يواجهنا اليوم هو في مستوى حل إشكالية شرعية مَن يحكم مَن؟

إذا ما تم حل هذه الإشكالية، بالكيفية الملائمة، وفي الوقت المناسب، فإننا سنتمكن من التفرغ للحلول الذّكية في جميع المجالات، ذلك أن انتخابات نزيهة ستمكّن من اختيار كفاءات من الجيل الجديد تكون مُحرَّرَة أكثر لإِحداث الإصلاح الأنسب لدخولنا إلى مجموعة الدول الصاعدة القادرة على البقاء. أما إذا لم يتم ذلك، واستمر رفض التكيف مع أشكال التغيير الجدية فإننا يمكن أن نتحول في أي لحظة من اللحظات إلى مراحل متردية أسوأ من مرحلة ما قبل الشروع في إعادة بناء الدولة الوطنية نُفاضل بين الحل السلمي وغير السلمي.

ولعل الذي حصل ويحصل في أكثر من بلد عربي أفضل ما ينبئنا بذلك، مِن اليمن إلى سوريا إلى العراق إلى مصر في حدود معينة، فقط هي تونس التي تكون بانتخاباتها الأخيرة قد تمكنت من تجاوز النقاش لأول مرة في تاريخها وبالكاد حول مسائل التزوير والشرعية ومدى شرعية نظام الحكم، لتتفرغ بالفعل، إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى من مراحل بناء الدولة العصرية القادرة على البقاء والتطور في القرن الحادي والعشرينكيف سيكون مصيرنا، هل نَبقى ضمن العجز عن الإجابة عن سؤال الشرعية والمشروعية أم ننتقل إلى سؤال آخر عن كيفية بناء حكومة ذكية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • صالح

    الشرعية صمام وأمان.
    إن الجزائرالتي تتوفرعلى جميع المؤهلات التى تجعلها في مصاف الدول المتقدمةتصنف ضمن ال 20دولة الاسوأفي العالم،لغياب الشرعيةوالحكمالراشد.
    إن جيراننا يستخرجون جوازالسفرالبيومتري والتأشيرةبواسطة الانترنات منذأكثرمن ثلاث سبوات ونحن ننبهر في استخراج شهادةالميلاد من البلديات، إنه لأمر يدعو إلى الحسرة حقا.
    لايزال المواليدالمفترضون محرومين من السفر إلى الخارج لأن شهادات ميلادهم لاتحمل اليوم والشهر الذي ولدوا فيه فهل يحتاج الامر إلى استشارةقانونيةأم إلى ذكاء خارق؟ أي استغياء هذا؟.

  • سعيد مقدم

    انا مستعد لأن أعيش طوال حياتي تحت حكمهم.وسأرفض اي تدوال على السلطة.وسأقاطع المعارضين. لكن بشرط أن يفعلوا مثلما فعل حكام الامارات حولوا بلادهم الى جنة.
    يا سليم حتى أفريقيا المتخلفة لم تعد تحترمنا.وباتت تصفعنا من يوم لأخر.لأننا فقدنا هيبتنا. لقد قزموا البلد وحولوه الى مجرد فاعل بسيط في القارة السمراء والمنطقة العربية.
    سفينة الجزائر غارقة في بحر الفساد والله يا استاذ سليم أكاد اغرورق بالدموع وأنا اكتب لك هذه الأسطر .لأني بت أخشى على هذا البلد.نحن نتوجه نحو المجهول سترك ياربي

    تحياتي أستاذ سليم

  • شوشناق

    كيفاش ياسيد ساليم!! قلنا لهم شوفو الى البلدان و خدمو البلاد مثل حكام كورية الجنوبية, البرازيل ,تركيا ,الامارات ,سلطنة عمان سنغافور ,ماليزيا و..... المسؤولين انتعنا جوبونا بطريقة مباشرة و غير مباشرة بوقاحة ولا لايشعرون بالخجل!! قالو لنا شوفو الى ليبيا و سوريا (عقلية تخشان الرءس و تغنانت و التخويف و التخلف)