-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سبُّ الخالق وسبُّ الدّين.. المنكر الذي لا يقبل التّهوين

سلطان بركاني
  • 24731
  • 0
سبُّ الخالق وسبُّ الدّين.. المنكر الذي لا يقبل التّهوين

جريمة هي أشنع وأفظع جريمة عرفتها البشرية في تاريخها، ومنكر هو أعظم وأبشع منكر في الوجود، منكر «تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا»؛ إنّه منكر سبّ الخالق جلّ في علاه وسبّ دينه الحقّ الذي للعالمين ارتضاه؛ وأي منكر أفظع وأيّ جريمة أشنع من أن يصبح سبّ الخالق – سبحانه – وسبّ دينه، يجري على ألسنة النّاس صباح مساء، وفي كلّ مكان؟ في الأسواق والشّوارع وأماكن اللّعب، وفي وسائل النّقل والإدارات والمدارس، ثمّ ينتقل إلى وسائل الإعلام وإلى ألسنة بعض المسؤولين!.

الخالق سبحانه يُسبّ على أرضه وتحت سمائه !

في الملاعب يُسبّ الإله ويسبّ الدّين إذا ضَيّع أحد اللاعبين فرصة لإحراز الهدف، ويسبّ إذا انحاز الحَكم إلى أحد الفريقين!. في الطّرقات يسبّ المولى سبحانه بسبب خلاف في الأولوية، أو اصطدام مفاجئ، أو زحام مؤقّت!. في الأسواق يسبّ العليّ الأعلى -جلّ شأنه- بسبب خلاف بين التّجّار حول الأماكن المحجوزة لعرض السّلع!، أو بسبب سوء تفاهم بين البائع والمشتري حول جودة السّلعة أو السّعر!.

ماذا بعدما أصبح كثير من الشّباب لا يجد الواحد منهم ما يردّ به على من عكّر مزاجه إلا أن يسبّ الله ويسبّ دينه، ولا يجد ما يعبّر به عن سخطه إذا حصل ما لا يعجبه إلا أن يحرّك لسانه بالتّطاول على خالقه سبحانه؟، بل ماذا بعدما صار بعض الشّباب يرون سبّ الإله سبحانه وسبّ دينه رجولة وقوة شخصية؟، وماذا بعدما أصبح بعض الآباء لا يجد الواحد منهم ما ينفّس به غضبه من زوجته وأولاده إلا أن يسبّ الخالق عزّ وجلّ ويسبّ الدّين؟، وماذا بعدما صار بعض المسؤولين في الإدارات والمؤسّسات العامّة والخاصّة لا يجدون وسيلة لإظهار حزمهم وتقريع الموظّفين وتخويفهم إلا أن يسبّوا الواحد الأحد تقدّس شأنه ويسبّوا دينه الحنيف؟ وماذا بعدما فُجعنا بأطفال في سنّ الثّالثة والرّابعة يتعلّمون سبّ الخالق وسبّ الدّين قبل أن يحفظوا الفاتحة، ويجري هذا المنكر على ألسنتهم عشرات المرّات كلّ يوم؟.

زوال الأرض والسّماوات أهون من سبّ ربّ البريات

عندما تحدّث المولى -تبارك وتعالى- عن النّصارى الذين زعموا له الولد -سبحانه- قال: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا»؛ وصف نِسبة الولد له سبحانه بأنّها جريمة تكاد تنشقّ لهولها الأرض وتخرّ الجبال وتتفطّر السّماوات، فكيف بسبّه -جلّ وعلا- بأقذع الألفاظ وأحطّ الكلمات؟ إنّها والله الداهية الدّهياء، والمصيبة العظمى التي تهون أمامها كلّ المصائب، والجريمة التي تُنسى إلى جانبها كلّ الجرائم؛ جريمة أعظم من جريمة الإلحاد، ومن جريمة التّثليث، ومن جريمة قتل الأنبياء وجرم سبّ الصّحابة والأولياء، ووالله لَهلاك المخلوقات وزوال الأرض والسّماوات، أهون من أن يسبّ ربّ البريات وتنطق الألسن في حقّه سبحانه بأقبح الكلمات.

إذا كان يُنظر إلى من يسبّ والديه على أنّه ارتكب جريمة بشعة، فكيف بمن يسبّ ربّه الذي خلقه وأنشأه ورعاه ورزقه ومتّعه بالصحّة والعافية، ويسبّ دينه الذي شرعه لسعادته في الدنيا والآخرة؟.

أيّ جرم أعظم من أن يتطاول على الخالق مخلوق ضعيف لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يمثّل شيئا في هذا الكون الفسيح الخاضع والخاشع بذراته للخالق جلّ في علاه؟ أيّ جريمة أعظم من أن يتطاول المخلوق على الخالق الرّازق الذي بيده ملكوت السّماوات والأرض؟. أيّ جريمة أعظم وأشنع من أن يسبّ الخالق سبحانه بألفاظ وعبارات يستحي العبد أن يسمعها تقال في حقّ مخلوق من المخلوقين؟.

حكم سبُّ الله وسبّ الدّين

لقد اتفق الفقهاء على أن سبّ الله- تعالى- وسبّ دينه كفْر أكبر, سواء كان صاحبه مازحا أو جادا، واستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ». يقول الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: “قد أجمع العلماء على أنّ مَن سبّ اللهَ عزّ وجلّ، أو سبّ رسوله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، أو دفَع شيئًا أنزله اللهُ، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مُقِرٌّ بما أنزل اللهُ، أنّه كافر“.

ومن سبّ الله –سبحانه وتعالى- أو سبّ دينه، حبط عمله كلّه؛ صلاته وصومه وصدقاته وحجّه، ومُحيت حسناته كلّها، وقد أفتى الإمام مالك –رحمه الله- أنّ من سبّ الله تعالى ثمّ تاب، وجب عليه أن يعيد حجّة الإسلام إن كان حجّ من قبل، ومن سبّ الله حرمت عليه زوجته، ووجب على الحاكم أن يفرّق بينهما، فإن تاب قبل انقضاء عدّتها أمكنه إرجاعها، وإلا بانت منه.

دعوة للإنكار وترك التّبرير والاعتذار

لقد أصبح متعيّنا على العلماء والدّعاة والأئمّة أن يتصدّوا لتحذير النّاس من خطر هذا المنكر الوبيل، ومن هول هذه الجريمة المنكرة، التي لا يجوز لأيّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهوّن من شأنها، مهما عمّت بها البلوى، ولا أن يلتمس الأعذار لمقترفيها، مهما علت مناصبهم، فالله تبارك وتعالى يقول: «هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً» (النّساء 109).. واجب على الأئمّة والدّعاة أن يبيّنوا للنّاس –بالحكمة والموعظة الحسنة- الأحكام المترتّبة على الانحدار إلى هذا الدّرك السّحيق، درك التّطاول على خالق الكائنات وقيوم الأرض والسّماوات، وعلى دينه الذي أرسل به أنبياءه ورسله، وصار لزاما على الآباء أن يزجروا ويردعوا أبناءهم عن سبّ الله جلّ في علاه وسبّ دينه ويخوّفوهم ويعاقبوهم كلّما وقعوا في هذه الموبقة.. وصار واجبا على الأساتذة والمعلمين أن يحذّروا الطلبة والتلاميذ ويزجروهم عن هذه الموبقة التي ليس فوقها موبقة أخرى، وأصبح لزاما على كلّ واحد منّا أن يتحرّك في حدود مسؤوليته وفي واقعه، وينكر بلسانه أو على الأقلّ بقلبه، حتى لا يعمّنا الله بعقاب من عنده.

إنّ باطن الأرض أولى بنا من ظهرها إذا لم ترجف قلوبنا وتتمعّر وجوهنا وتتحرّك ألسنتنا بإنكار سبّ مولانا وخالقنا ورازقنا، وسبّ ديننا الذي به حياتنا وعزّنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!