الرأي

سرطان العلمانية ينخر كيان المجتمع

سلطان بركاني
  • 4958
  • 84
ح.م

يتناقل بعض المدوّنين على مواقع التّواصل الاجتماعي قصّةً ذات مغزى لشابّ سمع صوت القرآن ينبعث من أحد البيوت فتساءل: هل هناك ميّت في هذا البيت؟ فأجابه شابّ عاقل بجواره قائلا: “ليس هناك ميّت، وإنّما الميّت هو قلبي وقلبك، عندما أصبحنا ننظر إلى القرآن على أنّه للموتى والجنائز، والله يقول: ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِين))”.. هذه القصّة تصوّر جانبا من واقع يعيشه كثير من المسلمين في هذا الزّمان، عندما أصبح الدّين لا مكان له في كثير من جوانب حياتهم وواقعهم، وأصبح بعضهم يرون بلسان الحال أنّه ينبغي أن يُحجر عليه داخل أسوار المساجد وتُقصر أحكامه على الصّلاة والصيام والجنائز ويتبرّك به في عقود النّكاح!
بسبب استئثار العلمانيين بحصّة الأسد في وسائل الإعلام وتحكّمهم في المشهد الثقافي، انتشر الفكر العلمانيّ في المجتمع شيئا فشيئا، حتى صارت العلمانية واقعا معيشا بين فئات المجتمع المختلفة، وليس بين الطبقة المثقفة ثقافة غربية فحسب.. أصبح كثير من المسلمين يتعاملون مع الإسلام الحقّ تعاملَ النّصارى مع دينهم المحرّف، ويرون أنّه يكفي الواحدَ منهم أن يخصّص له ساعة كلّ أسبوع يجرّ فيها قدميه إلى المسجد جرا ليسجّل حضوره وهو ينتظر على أحرّ من الجمر تسليم الإمام، ليستأنف حياته التي لا يهمّه إلا أن تكون محكومة بما يراه من مصلحة عاجلة.. وربّما تجد بين كثير ممّن يحافظون على الصلوات الخمس في أوقاتها في المساجد، من يرتضون العلمانية دينا كلّما تعلّق الأمر بالحلال والحرام، فتجد الواحد منهم يهتمّ بحكم الشّرع وبالسّؤال كلّما تعلّق الأمر بالصّلاة والجنائز ومفسدات الصّيام، لكنّه لا يهتمّ بالسّؤال إذا تعلّق الأمر بالمعاملات المالية؛ حيث يبحث عن مصلحته الآنية، وإذا سمع من يزجره ويذكّره بالحرام، تبرّم قائلا: “كلّكم أصبحتم مُفتين! حرّمتم علينا كلّ شيء…” ولو كان الأمر الذي يُنبَّه إليه من المحرّمات المجمع عليها كالرّبا والقمار!.. القرآن ما عاد له من حظّ في حياة كثير من المسلمين في سوى المآتم، وفي افتتاح الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات، وما عاد له من مكان في بيوتهم في سوى مصاحف تزيّن الرفوف ولوحات قرآنية تعلّق على الجدر وتمائم تعلّق في السيارات وحول الرقاب، لدفع العين!.. أصبح المسلم يستحي من الحديث في مسائل الدّين في المقهى والشّارع وفي وسائل المواصلات، وأضحى من يتحدّث في أمور الدّين في مثل هذه الأماكن يُنظر إليه بازدراء، وربّما يَهمس أحدهم في أذنه بأن يترك عنه هذا الحديث الذي يصلح في المسجد وليس في مكان آخر!
أصبح شعار “لا دين في السياسة” من القطعيات والمسلّمات التي لا تقبل النّقاش بين مختلف أطياف المجتمع، حتى غدا الإمام الذي يتحدّث في قضايا الأمّة أو يشير إلى الفساد المستشري في بعض الأوساط، يُنظر إليه على أنّه خرج عن السياق! بل أصبح الحديث عن السياسة فضولا وأمرا ممقوتا عند كثير من المسلمين، وأضحت كلمة “Politique” أو “البوليتيك” بالتّعبير الدّارج، قرينة للكذب واللّغو الذي يجب الإعراض عنه!
إنّه واقع خطير، قرّت به أعين العلمانيين، يجب على الدّعاة والمصلحين والأئمّة والخطباء أن يتصدّوا لإصلاحه.. أئمّة المساجد والكتّاب مشكورون على تصدّيهم لفتنة الطّوائف المنحرفة التي تستهدف المجتمع، كالأحمدية والشّيعة والغلاة، وهم مطالبون ببذل مزيدٍ من الجهود في هذا الباب، لكنّهم لا ينبغي أبدا أن يغفلوا عن التصدّي للفكر العلمانيّ الذي يُعتبر أخطر من كلّ فكر آخر، لأنّه يوفّر الأجواء المناسبة لدخول وانتشار كلّ الأفكار الأخرى، تحت عباءة الحرية الدينية وحرية المعتقد، علاوة عن سعيه الحثيث لزحزحة الدّين، ليس عن السّياسة فحسب، وإنّما عن الحياة كلّها!

مقالات ذات صلة