-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سر قدسية “الشاربات” لدى الجزائريين.. كيف أصبحت مشروبا خطيرا؟

نسيبة علال
  • 962
  • 0
سر قدسية “الشاربات” لدى الجزائريين.. كيف أصبحت مشروبا خطيرا؟

تعج رفوف المحال التجارية بأعداد هائلة من عبوات المشروبات، بعضها غازي وآخر عصائر ونكتار.. خيارات لا حصر لها، بأسعار مختلفة، تستقطب العطشان.. لكن، لا ما يطفئ العطش ويروي الروح كالشاربات، عصير الليمون المحلى والمنكه. فلهذا المشروب تاريخ ورمزية تكفيه ليتربع على عرش المشروبات الجزائرية الباردة، خاصة أنه يرتبط بأعز المناسبات.

لابد من الإشارة أولا إلى أن الشاربات ذات أصل عثماني، وموطنها ليس الجزائر فقط، وإنما تشتهر بها عدة بلدان مر بها العثمانيون، كالعراق ومصر.. فقد كان من تقاليد دايات العثمانيين، توزيع الشاربات، أو كما يسمونها، Şerbeti عندما تنجب زوجاتهم أو نساء البلاط. يذكر، أن لون هذا المشروب العثماني الشائع آنذاك، كان يحضر أحمر قاتما، كلون الرمان، لإضافة أعواد القرنفل وماء العنب إلى خليطه المنكه بالقرفة والزنجبيل.. هي وصفات تؤكد المصادر أن العثمانيين تناقلوها عن كتاب “الشربات”، الذي صدر في الأندلس، إبان القرن 11 ميلادي. وتورد مصادر أخرى أن تاريخ “الشاربات” يرجع إلى حدود القرن التاسع الميلادي، أي إلى المسلمين، الذين كانوا يسمون مشروب الليمون بـ “الشريبة”. أما استعماله، فكان يقتصر على علاج حالات الحمى، ونزلات البرد، وبعض مشاكل المعدة والأمعاء والقولون. ويقال إنه كان العلاج الفعال لانقطاع الشهية المفاجئ، ومداواة التهاب المريء عند الحوامل..

رمزية الشاربات في مناسبات الجزائريين

تستمد الشاربات قدسيتها لدى الجزائريين، من كونها المشروب الأول، الذي يرافقهم في المناسبات السعيدة. لهذا، اعتادت ربات البيوت أن تخصص له أفخم الأواني النحاسية. فمتى ما وضع فيها، زاد بريقها الداخلي، لتقدم إلى العروس، كأول ما تتناوله عند قدومها إلى بيت زوجها. وكان ينكه بالعسل في بعض المناطق من الوطن. أما الشاربات التي تقدم إلى الأطفال الصغار، عند صيامهم أول مرة، فتوضع بها قطعة من الذهب الخالص، ويرافق تقديمها طقوس استثنائية، كأن يتم شربها عند الأذان مباشرة، في أعلى نقطة من المنزل. وتعدّ النسوة شاربات الليمون للنساء اللواتي اكتملت عدتهن بعد الطلاق، أو موت أزواجهن، تبركا، بأن تنتعش حياتهن من جديد. وهي، كذلك، أول ما تعده أمهات التلاميذ، يوم ظهور نتائج النجاح. فلابد من أن يشرب منها المهنئون. أما عن أكثر المناسبات رمزية التي يستهلك فيها الجزائريون الشاربات بكثرة، فيعد رمضان موعدا لها. فبالرغم من التنوع

الكبير في المشروبات المصنعة والطبيعية، يفضلها الناس لخصائصها. ومنهم من يقطع مسافات طويلة ليقتنيها من صناعها الأصليين، الذين يملكون وصفات ناجحة وشهيرة، توارثوها أبا عن جد. وهم يتمركزون غالبا في ولايات الوسط، حيث نجدهم في بوفاريك خاصة، والبليدة وسط، وبعض مناطق العاصمة وتيبازة، منها القليعة وحجوط..

من مصدر للانتعاش، إلى أخطر المشروبات

تعلق الجزائريين بها، وإقبالهم الشره عليها خاصة في رمضان والمناسبات، ولإطفاء العطش صيفا، جعل الكثير من التجار يخوضون في صناعتها، بعضهم لا علاقة لهم بالمجال ولا يملكون وصفات أصلية لها. والأدهى من هذا، أن مصالح المراقبة كثيرا ما باتت تترصد جرائم في حق المواطنين، تتعلق بهذا المشروب الأسطوري، الذي يقبل بعض الباعة على تحضيره في ظروف غير صحية البتة، وبإضافات خطيرة، بينما وصفات الشاربات الأصلية قائمة على مواد طبيعية بحتة، كماء الورد، والليمون الطازج، والسكر الأبيض، والفانيلا والماء العذب.. وكل تلك الملونات، والمواد الحافظة والأسيد الذي يزيد من حموضتها بالإضافة إلى تغليفها السيئ، وتقديمها في أكياس نايلون، لا يمت إلى الأصل الراقي للشاربات التي لطالما كانت تصنع في كبريات المدن الجزائرية، من أجود ما تمنحه شجرة الليمون المنزلية، وماء الزهر المقطر بعناية، وبمقادير مضبوطة، يرتجى بها العلاج قبل الانتعاش.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!