-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سقوط هيبة الدولار.. والبقية تأتي!

محمد سليم قلالة
  • 14898
  • 0
سقوط هيبة الدولار.. والبقية تأتي!

باتت مختلف شعوب العالم خارج نطاق المجموعة الغربية الليبرالية تعيش حالة من التَّحرر لم يسبق أن عرفتها من قبل. لأول مرة في تاريخها الحديث أصبح بإمكانها أن تأمل في أن تُصبح لعملتها قيمة، وأن يتم التعامل معها على هذا الأساس. ولم تشذّ الشعوب العربية عن هذه القاعدة بعد أن برزت مؤشراتٌ على إمكانية تعامل المملكة العربية السعودية مع الصين بالعملتين المحليتين الخاصتين بكل بهما، بل إن الحلم في إيجاد دينار عربي مُوَحَّد بدأ يتجدد بعد عقود من اليأس عمّت المنطقة بأن لا إمكانية لبناء اقتصاد عربي مشترك ولو في المدى البعيد..

عزَّز هذا الشعورَ العامّ لدى شعوب العالم، نجاحُ تجربة الشراكة الصينية الروسية، والهندية الروسية، من خلال إقامة نظام مدفوعات مستقلّ يقوم على استبعاد الدولار كعملة كانت مهيمنة لعقود من الزمن، واستبداله بالتعامل بالعملات المحلية. كما عزَّز هذا الأملَ نجاحُ نظام المدفوعات الروسي “مير” الذي فرض نفسه بديلا موازيا لنظام “سويفت” الغربي. وإذا علمنا أن وكالة “بلومبرغ” للمعاملات المالية قد أشارت في تقاريرها الأخيرة أن 60 بالمائة من المعاملات المالية بين روسيا والصين قد تحولت إلى الروبل والإيوان، يتأكد لنا أن ما نشهده اليوم من سقوط لهيبة الدولار ليس ظاهرة عابرة محدودة في الزمان والمكان، إنما هو اتجاه يحمل مؤشرات لتطور مستقبلي بعيد المدى في هذا المجال.

ولا يُخفى عن أحد أنّ من بين الأسباب الرئيسة لهذا التحول ذي الاتجاه الثقيل، العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا وعلى رأسها تجميد الأصول المالية لهذا البلد المقدّرة ما بين 300 و350 مليار دولار، أضف إلى ذلك الدعوة إلى استخدامها مستقبلا لإعادة بناء ما دمرته الحرب في أوكرانيا. هذه الفكرة بالذات زادت من خشية مختلف بلدان العالم على أصولها المالية من القرصنة أو التجميد لأي سبب من الأسباب، الأمر الذي عَزَّزَ التفكير في بديل آخر للتعامل البيني بينها خارج سلطة الدولار، أو الانتقال مباشرة إلى التجارة عن طريق المقايضة في حالة تعذر ذلك.

وجاءت فكرة إطلاق عملة موحَّدة لدول “البريكس” منذ أشهر قليلة لِتُعَزِّز هذا الاتجاه، ومنذ يومين فقط جَدَّد الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” دعوته بنك التنمية الجديد الذي استحدثته هذه المجموعة في “شنغهاي” للإسراع بإنشاء هذه العُملة الواحدة لتجاوز هيمنة الدولار التي كرَّستها الولايات المتحدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بكافة الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية.

ويبدو أن جميع المؤشِّرات توحي بانتصار هذا الطرح في السنوات القادمة. لقد أدركت مختلف بلدان العالم أن أحد أسباب تدهور وضعها الاقتصادي والاجتماعي وانخفاض قيمة عملتها أمام الدولار، إنما يعود لفرض هيمنة العملة الأمريكية على باقي العملات بقرار سياسي فرضه الرئيس نيكسون في 13 أوت سنة 1971، كَسَرَ به وإلى اليوم النظامَ المالي الذي اتفقت بشأنه 44 دولة سنة 1944، في منطقة “بريتن وودز” بالولايات المتحدة، وسُمِّي بهذا الاسم. وكان يقضي بإمكانية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب بسعر صرف ثابت يضمن قيمة بقية العملات…

الآن وقد مرّت أكثر من 50 سنة على فرض هذه الهيمنة الجائرة، بات واضحا أن جميع المؤشِّرات أصبحت تدلّ على أن نهاية العصر الغربي الأمريكي باتت وشيكة. إننا بالفعل نعيش بداية حقبة جديدة علينا إدراك طبيعتها المستقبلية بعمق لكي تكون لنا كلمتُنا فيها. لقد انتهى عصرُ تقسيم العالم إلى غربٍ سَيِّدٍ، بقيادة الولايات المتحدة، والبقية دونه.. اليوم بات واضحا أن التعددية القطبية ليست ضربا من الخيال، بل هي واقع ملموس علينا التفكير فيه بعمق، وكيف تكون لنا مكانة فيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!