سلاحٌ خطير في أيدي ناقصات عقل
بعد ثلاثة أيام فقط من إصدار قانون العقوبات الجديد الذي يجرّم ضرب الزوجة أو ممارسة العنف اللفظي ضدها، أعلنت السلطة تنصيب لجنة من “الخبراء” قريباً لمراجعة قانون الأسرة مجدداً في الشقّ المتعلق بالطلاق والخُلع.
إذا كان هذا التعديل يتّجه إلى تضييق الخناق على الخلع ومنع الزوجات من “التعسف” في استعماله، فستؤيّده أغلبية المجتمع، وترفضه فقط جمعياتُ النساء الفاشلات في تكوين أسر، والتي ستنظر إليه على أنه خطوة إلى الوراء وإنقاصٌ من “حقوق المرأة“.
وحينما تقوم إحدى الزوجات برفع دعوى قضائية لخلع زوجها لأنه منعها من الذهاب إلى عرس، وثانية لأن بعلها رفض حلق شاربيه، وثالثة لأنه رفض تركها تقضي ليلتها عند صديقتها، مثلما كشف محامون وأئمّة لـ“الشروق” منذ أيام، فإن هذا يعني أن إطلاق العنان للخُلع في قانون الأسرة المعدّل عام 2005 قد أفضى إلى حالة من العبث والاستهتار لم يعد معها السكوت ممكناً، ولا بدّ من مراجعة سريعة لهذا القانون باتجاه تقييد حق الخلع، بعد أن تحوّل إلى سلاح خطير في أيدي ناقصاتِ عقل ودين يُستلّ لتفكيك الأسرة لأسباب تافهة.
في التسعينيات، كانت حالات الخلع تتراوح بين 450 و500 حالة سنوياً، وبعد تعديل قانون الأسرة في عام 2005، بدأ العدد يتضاعف بمتوالية هندسية حتى بلغ 12 ألف حالة في السنة الماضية، ما يعني بوضوح أن القانون المعدّل قد تسبّب في تفكيك عشرات الآلاف من الأسر ووضع ضحاياها من الأطفال أمام مستقبل مخيف.
وإذا كانت مراجعة مسألة الخلع باتجاه تضييقه باتت قريبة، فإنه يُخشى أن تقوم السلطة بالمقابل، ولإرضاء جمعيات النساء الفاشلات في تكوين أسر، بتضييق حق الزوج في العصمة من خلال ربطه بموافقة الزوجة تحت غطاء “منع الطلاق التعسفي“، أو “المساواة بين الرجل والمرأة” كما قالت رئيسة إحدى الجمعيات النسوية منذ أيام، فيصبح الطلاق شبه مستحيل وإن ارتكبت الزوجة الموبقات، تماماً مثلما رُبط حق التعدد بالموافقة الكتابية للزوجة الأولى فأصبح التعدّد شبه مستحيل إلا في إطار الزواج العُرفي.
لقد سمعنا فاروق قسنطيني يتحدّث في هذه المسألة مراراً في الآونة الأخيرة، ويشدّد على ضرورة تقييد حقّ الزوج في الطلاق حفاظاً على الأسرة والأطفال، وهو ظاهرياً أمرٌ مقبول؛ فتطليق الزوجة لأسباب غير قويّة وغير مقنعة، تعسّفٌ وقهر وظلمٌ لها وللميثاق الغليظ وللأولاد، ولكن الحلّ لا يكمن في “تقسيم” حق العصمة بين الزوجين، بحيل قانونية ما أنزل الله بها من سلطان، ويجب مراعاة الشرع في هذه المسألة.
ولعلّ تصريح قسنطيني المقرّب من السلطة يقودنا إلى التساؤل عن “هوية” اللجنة التي ستنصّبها السلطة قريباً لمراجعة مسألة الطلاق والخُلع، ومن هم “الخبراء” الذين سيتولّون التعديل؟ وهل سيُشرك أبرزُ الفقهاء الجزائريين في هذه اللجنة؟ أم سيكون لونُها الإيديولوجي واحداً أو هو الغالب كما حصل مع لجنة بن زاغو قبل 15 سنة، والباقي مجرّد ديكور وحجّة على المحافظين؟
يحقّ للرجال أن يتوجّسوا خيفة من الآتي؛ فالتعديلات المدرَجة في قانون الأسرة في 2005 ثم العقوبات في 5 مارس 2015، صبّت في مصلحة المرأة بالدرجة الأولى، ولا نعتقد أن التعديل الجديد سيشذّ عن “القاعدة” ويكون في مصلحة استقرار الأسرة.