-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سلطةٌ فوق النقد والمحاسبة

حسين لقرع
  • 34
  • 0
سلطةٌ فوق النقد والمحاسبة

بأيّ حق يقول وزيرُ المالية عبد الرحمان بن خالفة إن أموال النفط ذهبت في بناء السكنات والجامعات والمستشفيات والمدارس ومختلف المرافق والمشاريع فلا تحاسبونا عليها؟

الأمر يتعلق بـ 800 مليار دولار، وليس بمائة أو مائتين، وهذا المبلغ “المهول” يمكن أن يبني جزائر أخرى، وأن يضعها في مصافّ الدول المتقدّمة، ويحوّلها إلى قوة إقليمية كبيرة تفوق تركيا وماليزيا والبرازيل ومختلف الدول الصاعدة التي تمكنت في ظرف سنوات قليلة وبمبالغ أقلّ بكثير، من أن تُخرج اقتصاداتها من تخلّفها وتدخل مجموعة العشرين الأكثر تصنيعا وتقدّما في العالم.

 تركيا مثلاً أصبحت تحتل المرتبة الـ17 عالمياً في قائمة الاقتصادات العالمية وهي التي انطلقت فعلياً عام 2002 مع وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم، في حين أنفقت الجزائر منذ عام 1999، أي قبل الانطلاقة التركية بـ3 سنوات كاملة، وإلى حدّ الساعة، نحو 800 مليار دولار دون أن يغادر اقتصادُها مراتبه المتأخرة في قائمة الاقتصادات العالمية، بل غرق في أزمة عميقة بمجرد انهيار أسعار النفط، لأن تركيا بنت اقتصادا قائما على مداخيل متنوعة غير مرتبطة بالريوع وتراجع فيها الفساد، في حين بقي الاقتصادُ الجزائري تابعاً للريع النفطي وحده وعجز عن تنويع مصادر دخله، كما نخره الفساد تماماً.

لقد أنجزنا طريقا سيّارا مهترئا، ومستشفياتٍ يهرب منها المواطنون إلى العيّادات الخاصة، وسكناتٍ يذهب أغلبُها إلى محترفي البزنسة والمحتالين عوض المحتاجين، وجامعاتٍ غير مصنفة في قائمة الجامعات المحترمة والمُنتِجة للمعرفة في العالم… ولم يكن حجمُ المشاريع المنجزة عموماً في مستوى الأموال الضخمة المنفَقة طيلة 15 سنة، ما يعني أن الأمر يتعلق بسوء التسيير وعشش الفساد الذي امتصّ أموالاً طائلة بلا جدوى.

هذه الملايير لم تُنعش السياحة، ولم تطوّر الصناعة ولا الفلاحة، وبقيت البلاد تعاني تبعية غذائية مُزمنة للخارج، ولو تعرّضت لبعض ما تعرّض له العراق في التسعينيات من حصار دولي لمات نصف الشعب جوعاً برغم أن مساحة بلده هي الأكبر في إفريقيا والعالم العربي، وبلاده جنت مئات الملايير من الدولارات في ظرف 15 سنة فقط.. أبعد كل هذا يقول بن خالفة للنواب بصيغة تحمل الكثير من الصلف والعجرفة: لا تحاسبونا؟ من يحاسب إذن الوزراءَ والحكومة والمسؤولين في مختلف المواقع، إذا لم يحاسبهم النواب؟

وبعد أن أفقرت السياسات المفلسة البلادَ وبدّدت ثرواتها، ها هي الحكومة تحاول استدراك الأمر وملء الخزينة العمومية من جيوب 40 مليون جزائري من خلال الزيادات في أسعار الوقود والكهرباء ورفع الرسوم والضرائب المختلفة… ثم يقول وزيرُ المالية للنواب باستنكار: لا تحاسبونا.. أهذا منطق؟

 

مشكلة البلاد أن الشعب في واد وسلطته في وادٍ آخر، سلطة ترى نفسها فوق النقد والمساءلة والمحاسبة.. الأمر طال 53 سنة كاملة، ولن يتغيّر إلى الأحسن إلا بعد أن تعود الكلمة للشعب ويتمّ إقرار ديمقراطيةٍ حقيقية تُنهي الاستبداد والفساد كما حدث في تركيا ودول عديدة، وإلا فلا أمل في التغيير بهذه الوجوه التي أفقرت البلاد، ثم يقول قائلٌ منهم ولو أنه حديثُ عهد بالمسؤولية: لا تحاسبونا، فقد بنينا لكم مشاريع مختلفة وانتهى الأمر! 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!