سنتعلم العربية في.. بريطانيا
في الوقت الذي “جسّت” بعض الأطراف من وزارة التربية ومن قطاعات أخرى من داخل ومن خارج الوطن، نبض الشارع الجزائري باختيار فصل الركود، لأجل اقتراح إمكانية الاعتماد على “الدارجة” التي غالبية كلماتها فرنسية، في تعليم التلاميذ في الأطوار الأولى، قدّمت بريطانيا تقريرا عن اللغات الأكثر طلبا، التي ستسيطر على المشهد اللغوي البريطاني في المستقبل القريب، في قلب عاصمة اللغة الأولى في العالم، فجاءت اللغة العربية في المركز الثاني، وتفوقت على لغات عملاقة مثل الألمانية والإسبانية. وأكد التقرير أن متعلمي اللغة العربية في العالم وفي بريطانيا على وجه الخصوص، ليسوا بالضرورة من الجاليات العربية، وإنما من روس وإنجليز وإيرانيين وإندونيسيين وأتراك.
نعود الآن إلى ندوة الإصلاحات التي أشرفت عليها وزارة التربية الوطنية، وبغض النظر عن التبريرات المقدمة أوالنفي الذي صدر من الجهات الفاعلة، حول جعل اللهجات المحلية لغة للتدريس، فلا أحد فهم لماذا تتواصل مداواة الألم بالتي كانت هي الداء. فالوزارة قامت في الموسم الدراسي الماضي بنسف العتبة من امتحان البكالوريا التي أساءت إلى التعليم، وهاهي الآن تعيد العتبة بشكل أبشع من خلال حذف مواد في المقرر مثل التاريخ والتربية الإسلامية، بدلا من تطوير التحصيل في هذه المواد، والوزارة تعلم مثلا بأن مترشحين للبكالوريا حصلوا على علامة عشرين من عشرين في التربية البدنية، ومنهم طلبة ربما لم يمارسوا الرياضة في حياتهم، ولا أحد حرّك ساكنا أمام هذا التزوير الفاضح والمسيء إلى الرياضة وإلى التعليم وإلى الصحة.
نعلم جميعا بأن المصريين والسوريين والخليجيين يستعلمون لهجاتهم في التدريس من الابتدائي إلى الجامعي، ونعلم بأن اللغة العربية تعاني، وأكثر من أضرّها هم أساتذة العربية قبل غيرهم، ولكن ما يحزّ في النفس هو محاولة إلصاق هذا التخلف المريع الذي تعرفه المدرسة الجزائرية في لغة، صارت تشكل مشجبا تعلّق عليه كل الإخفاقات، بالرغم من أن الهندسة المعمارية والطب والبيطرة في الجزائر تخلفت وبلغت الحضيض، وجميعها تُدرّس باللغة الفرنسية ومقرراتها تأتينا جاهزة من باريس.
صحيح أن الإنسان عدوّ ما يجهله، وغالبية الذين يدافعون عن اللغة العربية ـ إن كانوا يتقنونها أصلا ـ إنما لجهلهم لبقية اللغات، وصحيح أن المرض الذي أصاب المنظومة التربوية المتخبطة بين الدروس الخصوصية وانهيار المستوى، في حاجة إلى اجتهاد واقتراحات، وصحيح أن بعض الثائرين على استعمال “الدارجة” هم أنفسهم لا يعرفون سوى “الدارجة“، لكن الصحيح أيضا أن غالبية المشاركين في ندوة الإصلاحات يمارسون عقدا وأحقادا، وأن اليابان وإندونيسيا والهند وتركيا إنما تطورت بلغاتها المحلية ووضعت نفسها بين الأمم المتقدمة.
لقد جربت الجزائر بعد الاستقلال اللغة الفرنسية في مدارسها وجامعاتها ففشلت ولم تلحق بالركب، ثم جربت اللغة العربية ضمن مشروع التعريب فما لحقت بالركب، وهاهي أصوات تطالب بالعودة إلى الدارجة وإلى اللهجات المحلية وهي تعلم بأنها لن تلحق بأي ركب كان، متجاهلة أن اللغة لم تبن أبدا حضارة ولم تُفشل تقدما.