سهلوا ولا تعسروا..على التلاميذ والطلبة
الجهد الذي يبذله الطالب والتلميذ أحيانا في التغلب على محيط الدراسة يفوق في كثير من الأحيان الجهد الذي يبذله في الدراسة ذاتها، أي في التحصيل العلمي… التسجيلات والتحويلات والحصول على الإيواء والمنحة والنقل والتوقيت الملائم وقبل ذلك التخصص الملائم والكلية الملائمة ناهيك عن الأستاذ الملائم والبرنامج الملائم، هي التي تؤرقه وتؤلمه أكثر من التعليم نفسه. لقد لاحظت بأن التلميذ أو الطالب لا يلتحق بالقسم أو المدرج وحتى بالبحث العلمي، إلا وقد أنهكه التعب وأحيانا لا يلتحق إلا بعد أن يكون مضطرا إلى ذلك، لأنه لم يسجل بالطريقة التي يريد ولم يختر المكان والوقت الملائمين فضلا على نوعية البرامج والوحدات. هذا الإنهاك القبلي هو الذي يُضعف القدرة على الاستيعاب ويمنع الإقبال بشغف على التحصيل العلمي، وإذا ما افتقدت هذه الرغبة في التحصيل أو استنزفت الطاقة قبل موعدها لم تبق هناك أي إمكانية لانتظار تحقق معجزة الإبداع.
وكل المسألة متعلقة بخيارين لا ثالث لهما: إما أن تختار الجامعة ويختار قطاع التعليم منهجية التسهيل في الإجراءات والصرامة في التكوين أو يحدث لديهما العكس: التعقيد في الإجراءات والتساهل في التكوين! وهو ما يحدث الآن للأسف، حيث أن تعقيد إجراءات الدخول والاختيارات القبلية وعدم توفير الإطار الملائم والإمكانيات الكافية لتحقيق دخول سلس للأستاذ والطالب والتلميذ والإداري تنعكس جميعها مباشرة على مستوى التكوين وتتحول الغاية من البحث عن النوع إلى البحث عن الكم، ومن التركيز على المضمون إلى التركيز على الشكل: المهم شكل الدخول المدرسي والجامعي لا جوهر هذا الدخول.. ونجاح الدخول على نجاح التكوين.. ما يجعلنا نقول اليوم إننا في حاجة ماسة إلى تحرير تعليمنا في جميع المستويات من سيطرة الشكل على المضمون، ومن سيطرة الوسيلة على الغاية.. وإذا كان ولا بد من غلق تخصصات بكاملها ليس هناك من يرغب فيها أو ليست لها فاعلية اقتصادية واجتماعية فلنفعل ذلك، وإذا كان ولا بد من تحويل جامعات كاملة إلى مجال متخصص من التكوين يستقطب الطلبة فليكن ذلك ولنوفر الشروط لذلك.. أما أن نبقى ضمن هذه الفسيفساء من التخصصات غير المرغوب فيها، ومن التكوين القسري غير المنتج فإننا سنستمر في السير في طريق بلا مخرج..
إننا نحلم ونأمل أن يلتحق تلامذتنا وطلبتنا بالتعليم ليس كعملية إجرائية روتينية يقومون بها عند بداية كل خريف، إنما كرغبة وفرح وطموح وتحد لأن يكونوا ويوجدوا ويبدعوا بعيدا عن كل تلك الإجراءات المعسرة والمنفرة…