الرأي

سوء تسيير وسوء تسييس

محمد سليم قلالة
  • 1737
  • 9
ح.م

تتأكد لي، مع مر الأيام، تلك المقولة الخاصة بشأن تصنيف الدول، أنه لا توجد دولٌ متقدمة وأخرى متخلفة، أو دول رأسمالية وأخرى شيوعية، أو غيرها من التصنيفات… إنما توجد دول مُسَيَّرة بطريقة جيّدة أو ممتازة وأخرى مُسَيَّرة بطرق ضعيفة أو كارثية.
جاء في تقرير مجلس المحاسبة الصادر في الأيام القليلة الماضية ما يُعزِّز هذه الفكرة. كل العبارات التي استخدمها بعيدا عن الأرقام والإحصائيات التي عزز بها أحكامه، تدل على ضعف التسيير في بلادنا إن لم نقل على كارثيته. تحدث التقرير عن “تجاوزات بالجملة”، عن “سوء استغلال وسوء تصرف في الأملاك العمومية”، عن “التعاملات غير القانونية”، و”ضعف أو غياب نظم الرقابة” و”منح المزايا” و”عدم الامتثال للقواعد” و”عدم عصرنة الخدمة العمومية”… إلخ. أي إنه أكد لنا بصفة رسمية هذه المرة أن بلادنا مازالت دون مستوى الرشادة في الحكم، بعد أن كنّا نُعايش ذلك بصفة فعلية.
وإذا أضفنا إلى هذا تفشي الفساد والرشاوى على مستوى الإدارات والمؤسسات، ماذا يبقي لنا أن نقول في مجال حسن التسيير والتدبير، ما الذي ينبغي أن ننبه إليه بعد كل هذا؟
أسئلة أقل ما يقال عنها، إنها مُحرِجة ليس فقط بالنسبة إلى المسؤولين القائمين على القطاعات المختلفة، بل لكل المُدّعين أن لديهم دورا في رسم السياسات العامة، وأنهم يَنظرون بعين الرضا إلى أدائها اليوم. ذلك أن أي حديث عن حسن الأداء لن يكون سوى تضييع لمزيد من الوقت والقدرات، وعلينا إذ كان ولا بد لنا من القيام بفعل إيجابي ما في هذا الشأن، أن نعتبر مثل هذا الاعتراف الذاتي بالنقائص كنافذة للمستقبل يُمكن من خلالها زرع بعض الأمل، ذلك أن أول ما يبدأ الإصلاح يبدأ بالاعتراف بالخطإ، لينتقل إلى تصحيحه من خلال تقديم البديل الأفضل الذي يُمكن أن يصنع الفارق كما فعلت الكثير من الدول.
لقد كان من أوليات الصين وتركيا وماليزيا على سبيل المثال البدء بسد ثغرات الفساد قبل أي عمل آخر، وعلينا أن نفعل برغم ما في ذلك من صعوبات تصل أحيانا إلى حد التفكير في استحالة التصحيح خاصة عندما يكون الداء قد انتقل إلى الجوانب غير المادية وأعاد تشكيل العقلية الفاسدة والسلوك الفاسد وما تبع ذلك من فساد في القيم والأخلاق وأدى إلى قلب كل الموازين المعيارية في المجتمع.
ولعل هذا ما نبهني إليه صديقي كما أشرت في عمود الجمعة الماضي، أن عمق المشكلات في الجزائر زاد عن حده إلى درجة أن أضر بأحد أهم القيم الرابطة بين أفراد المجتمع “المحبة” بين الجزائريين، حتى أصبح من الاستحالة بمكان القيام بأي إصلاح دون علاج ما أصبح متفشيا بين الناس من كراهية… التي من أحد أسبابها، هذا التسيير السيئ، وهذه الأخطاء بالجملة التي ترتكبها مؤسساتنا المختلفة…
هل نتمكن من تصحيح الخلل؟ ذلك ما نأمل وعلينا أن نعمل لأجل تحقيقه، اليوم قبل الغد…

مقالات ذات صلة