الرأي

سوريا العائدة على مركبة انتقالية

واهمٌ من يجزم أن أزمة سوريا انتهت، الأزمة لا تزال قائمة، في موسم حصاد خسائرها الكبرى، والأرض ستبقى تئنُّ من ألم تجزئتها وثِقل القوى الغازية المنتزِعة لحضورها قواعد وجود أبدية.
الانتصار الحقيقي أبعد ما يكون، وإمارة “داعش” لا تزال تنتعش في جزء من الأرض المفتوحة على حدود إقليمية أوسع، تشقّ ثغرات حرب هنا وهناك، لا تنتهي بإعلان انتصار سياسي يثبِّت أركان نظام الرئيس بشار الأسد في حضن قوة روسية لن تتخلى عن آخر مواقعها في البحر الأبيض المتوسط.
الصراع العرقي والمذهبي زرع بذوره التي تنمو في مواسم الفتنة، ووجد من يغذيه من دون انقطاع بمدٍّ خارجي، والمتأهبون بروح العداوة والبغضاء، لن يأخذوا من الملائكة روح العفو والتسامح ليرسوا قيم التآخي في مجتمع موحد على الدوام.
الأزمة لم تنته بعد، إنها بدأت بأشكال أخرى.. الميليشيات الطائفية وجيوش الردة لن تكتفي بالغنائم، وإذا كان هناك من أعلن النصر، فهي لن ترضى بأقل من الشراكة معه في المرحلة المقبلة، وهي شراكة إن تمت، فستعيد الأزمة إلى نقطة انطلاقتها الأولى.
الوطن المخرَّب من شرقه إلى غربه، ينتظر حركة إعمار، لا تكفيها أكبر موازنة مالية، لم تجد حتى الآن من يحرِّك آلياتها بدفع مالي، يدفع معها عجلة الاقتصاد المتعثرة بمخلفات حربٍ خاسرة.
تتعاظم الأزمة على الجيش العربي السوري المحارِب على عدة جبهات، محتويا أعنف الضربات، وأقساها كان شق صفه، سعيا لتدمير مؤسسته التي تكمل قوة الدفاع العربي المشترك، في جبهة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
المرحلة الانتقالية، إذا كانت هناك مرحلة انتقالية بحق، برامجها تمهد لانتقال سلمي للسلطة، في ضوء دستور جديد، ربما انتهى خبراء القانون الروس من وضعه، تمهيدا للإعلان عنه، وفتح أبواب الاستفتاء عليه.
ستأخذ المرحلة الانتقالية حقها الزمني الذي يستمر حتى نهاية العهدة الرئاسية للرئيس بشار الأسد عام 1921، لتبدأ بعدها مرحلة سياسية جديدة، لا تعرف وجودا تشريعيا لحزب حاكم دون غيره، مع فرضية الدفع بقوى سياسية أخرى، ظهرت ألوانها وأشكالها خلال عقد اشتعال الأزمة، من دون حساب القوى الأصولية المسلحة، التي لم يعُد لها وجود سياسي في خارطة مرحلة مقبلة.
الأزمة انتهت بمنظار سياسي قاصر، لا ينظر أبعد من مدى ظله، يغالط الواقع، ويخفي الحقيقة خلف أبواب مغلقة، ضمنت بقاء من أصرّ على البقاء، وأزاحت من انتهى دوره، لكنها اشتدّت على شعب يعود إلى مدنه المهدمة، مؤبِّنا قتلاه، عازما على انطلاق رحلة البحث عن أمن وطن مفقود.

مقالات ذات صلة