سوريا لن تخسر وحدها
تتوجّه الأنظار إلى الولايات المتحدة يوم الاثنين المقبل لمعرفة نتيجة تصويت برلمانها على مشروع قرار شنّ حرب على سوريا. ويأمل الأعرابُ الموالون لواشنطن أن يصوّت عليه “الكونغرس” بالإيجاب، بعد أن أقرته لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ.
ومع اقتراب موعد الحسم، صعّد الأعراب عمليات التحريض السياسي والإعلامي للكونغرس على تبني قرار الحرب، وعرضوا وضع أجواء بلدانهم ومطاراتهم تحت خدمة أمريكا، وحجتهم في ذلك أن الامتناع عن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا سيجعل نظامها يعيد الكرّة ويقصف مناطق أخرى بالأسلحة الكيماوية، على حدّ زعمهم.
الخطة الظاهرية التي أعلنت عنها أمريكا هي توجيه ضربة محدودة تشمل مخازن الأسلحة الكيماوية ومجموعة أهداف عسكرية أخرى بذريعة “تأديب” الأسد ودفعه إلى عدم تكرار هجماته بالأسلحة الكيماوية، برغم أن أمريكا لم تقدّم إلى الآن أي دليل على تورّطه. ولكن يُخشى أن تكون هذه الأهداف المعلنة مجرد تمويه وأن الضربة ستكون كبيرة ومدمِّرة وتستهدف إسقاط النظام، فمشروع القرار المُحال إلى الكونغرس ينص على أن مدة العملية العسكرية هي 60 يوماً ويمكن أن تمدد إلى 90 يوماً في حال الضرورة، ما يعني أن الخطة تهدف إلى تكرار السيناريو الليبي من خلال توجيه ضربات جوية مكثفة طيلة شهرين تدمِّر الدفاعات الجوية السورية وكذا منظومتها الصاروخية وترسانة أسلحتها التقليدية، وتفكّك جيشها وتلحق دمارا كبيرا بالبلد، وتسمح لعناصر “الجيش الحر” بالزحف على دمشق في وضعية مريحة. وإذا لم يتحقق هذا الهدف طيلة الشهرين، يمكن إضافة شهر ثالث لإكمال المهمة.
في هذه الحالة ستنزل الترسانة العسكرية الأمريكية بكل ثقلها لتحقيق هدفها، لأن واشنطن تدرك أن الجيش السوري غير كتائب القذافي المهلهلة، وأن إمكاناته التسليحية والتنظيمية والتدريبية أعلى بكثير، وفوق هذا وذاك يحظى بدعم قوي من روسيا والصين وإيران وحزب الله، وليس من السهل تدميرُه بضربات شبيهة بتلك التي وجّهها الناتو إلى كتائب القذافي، بل يتعين خوض حرب حقيقية وشرسة ضد الجيش السوري إذا أرادت أمريكا فعلاً إسقاط النظام.
وإذا انتهجت أمريكا هذا الخيار، فإن حرباً إقليمية واسعة ستقع وستشمل إيران ولبنان أيضا، وستطال الكيان الصهيوني وكل دولة إقليمية تساند العدوان وتموّله وتضع أراضيها وقدراتها العسكرية في خدمته، وستتهاطل عليها عشراتُ الآلاف من الصواريخ السورية والإيرانية ومن حزب الله أيضاً. وستُحدث الحربُ الشاملة دمارا كبيرا في الكيان الصهيوني ودول الجوار، وليس في سوريا وجنوب لبنان وإيران وحدها، وهذا ما قصده وزيرُ الخارجية السوري حينما قال إن بلاده ستدافع عن نفسها بكل قوة ولو اندلعت حربٌ عالمية ثالثة.
وقد تقضي هذه الحرب على نظام الأسد، وحتى حزب الله والمنشآت النووية والقدرات العسكرية الإيرانية في النهاية، ولكنها ستُلحق ضررا كبيرا بالكيان الصهيوني وتلحق دمارا غير مسبوق ببلدان عربية عديدة وقد تفضي إلى سقوط مفاجئ لأنظمة وتغيير في خريطة المنطقة.
كل هذه المعطيات قد تدفع الكونغرس في آخر لحظة إلى رفض مشروع قرار الحرب أسوة بالبرلمان البريطاني، فربما يكون هذا ما يريده أوباما بالفعل من خلال إحالته قرار الحرب إلى الكونغرس، كما أن 60 بالمائة من الأمريكيين، حسب نتائج سبر للآراء، يرفضون ذهاب بلادهم إلى حرب جديدة ضد بلد عربي وإسلامي آخر حتى لا تجني المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية.