-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سوق الأوهام 

سوق الأوهام 

عندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، استبشرنا خيرا بنهاية الإشاعات الزائفة المثيرة للفتنة والجهل، بالضربة القاضية، من خلال الخبر السريع والدقيق والمدعم بالأدلة من صور ووثائق، لنُصدم بمزيد من التعفن، وصار بعض الناس- بل غالبيتهم- يلتهم الكذبة ببساطة وسذاجة من دون التيقن من مصداقية صاحبها وكفاءته، وأكثر من ذلك، يقومون بنشرها والدفاع عنها، في أكبر وأسرع نشر للكذب في العالم.

الألم الذي شعر به الجزائريون بعد إقصاء منتخب بلادهم من كأس العالم 2022، كان يمكن أن نتقبله ببساطة، لأن الجزائر لم تشارك في تاريخها سوى أربع مرات فقط في هذه المنافسة العالمية، ولكن أن نعالج ألم الفشل بفشل أخلاقي آخر، فذاك ما يجب ألا نتركه يمرّ من دون ثورة علاج حقيقي، لأن بيع الوهم يدفع إلى تعطيل المسار ويؤخر توقيت النهوض من الصدمة، خاصة إذا تحوّل الكذب وانتشار الإشاعة إلى جائحة لا تُبقي ولا تذر.

الحديث عن إعادة مباراة المنتخبين الجزائري والكامروني، وظهور أناس يزعمون امتلاكهم دليل تورُّط الحكم غاساما ورئيس الاتحاد الكامروني صامويل إيتو في جريمة رشوة، هو ألم أقسى من ألم الإقصاء نفسه، والتصديق بهذه السذاجة هو أقرب إلى المأساة، ويذكِّرنا بما حدث في سنة 2004، عندما خرج المنتخب الجزائري من الدور ربع النهائي لكأس إفريقيا للأمم بتونس، فتم تسويق إشاعة تعاطي لاعبي المنتخب المغربي المنشّطات وتأهل “الخضر” على حسابه إلى الدور نصف النهائي مباشرة، فخرج بعض الناس للاحتفال، وكان عزاؤنا، في تلك الحقبة أن لم تكن فيها الشبكة العنكبوتية قد تمكنت من عالم التكنولوجيا، فكان من الصعوبة الاطّلاع على القوانين وإيصال الحقيقة بنفس السرعة والدقة المتوفرة حاليا، من خلال زرّ الحاسوب أو الهاتف المحمول.

في بعض المواقف المرتبطة بالعلم والتكنولوجيا، يُصبح الضحية أخطر من المتهم، ومن المفروض أن يلتفت القاضي إلى الضحايا ويضعهم في نفس القفص؛ فإذا كان حامل الملف المزعوم المتوجه إلى جنيف لإرجاع الحق لأصحابه، قد فعل ذلك بحثا عن الشهرة أو منافع متابعة خرجاته الفايسبوكية من طرف الملايين، أو ربما عن حسن نيّة ووطنية، فإن التصديق بهذه السذاجة أخطر من تهريج هذا أو خطأ ذاك، وهو أشبه بموزِّع المخدرات للناس لينسوا ما حدث لهم ويُعطلوا الاستفاقة السريعة التي من المفروض أن تحدث الآن وليس غدا، من أجل إعادة المنتخب الجزائري إلى سكته الصحيحة الأولى مع تصحيح المسار وتزويده بالقاطرات الأجود.

في كأس أمم إفريقيا الأخيرة التي لُعبت في الكامرون، بمجرد أن خرج المنتخبُ الجزائري من الدور الأول، شاهدنا طوفانا من الخرافات التي راحت تزعم إصابة اللاعبين بسحر لعين، وظهر الدجّالون الذين راحوا يعرضون خدماتهم التافهة برُقية اللاعبين، وفي تصفيات كأس العالم عندما خرج المنتخب بهدف كامروني في آخر دقيقة، تابعنا طوفانا من الإشاعات التي ورّطت الحكم الغامبي وحده، وراحت تزعم امتلاكَ الدليل، وفي كل الحالات وجد هؤلاء الملايين من الذين يؤمنون بالخرافات والدجل، وغاب التشخيص الصحيح لحالة الفشل، وعندما يغيب التشخيص، يغيب بالضرورة العلاج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!