-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سوق شعبي للكراسي

سوق شعبي للكراسي

حمل ملفه الثقيل، حتى كادت وثائقه وشهاداته الورقية، توهن عظمه بعد أن أشعلت رأسه شيبا، وراح يمشي على استحياء يطرق بابا ويتردّد أمام آخر، بحثا عن عمل يليق بتعبه وكدّه وشهاداته الجامعية، وفي الجهة المقابلة، لم يحمل جاره شيئا معه غير شهادة ميلاد، وبعضا من الشجاعة، واستقل حافلة باتجاه العاصمة، وطرق باب قصر الحكومة، وصعد الطابق الخامس، طلبا في الترشح لمنصب رئيس، فمنحوه صناديق من ورق، وكثير من الابتسامات، وطالبوه باجتياز اختبار المجلس الدستوري حتى يشارك في سباق بلوغ منصب رئيس.

هل كان التاجر المتجوّل الذي بلغ مستوى السابعة أساسي، الذي تجرّأ على الحلم بمنصب رئيس خاطئا، وهل كانت القابلة التي أرادت أن تُولّد للحكم كرسيا ناعما خاطئة؟ أم أن النظام هو الذي جرّ الجميع إلى الخطأ والخطيئة، حتى صار الترشّح لمنصب رئيس، هو الأسهل ضمن كل المهن، وحتى الحِرف التي يمكن للجزائريين أن يأكلوا منها الخبز ويشربوا منها الحليب، ولا نقول يمتهنوها ويحترفوها؟

في عام 1979 عندما تسلّم الرئيس الشاذلي بن جديد قيادة البلاد، لم تجد القناة التلفزيونية الوطنية وهي تسرد مسار الرجل وسيرته الذاتية، من مخرج علمي لها، سوى أن تقول للمواطنين بأن الرجل درس في جامعة الثورة، وحصل على شهاداتها الدامية، ومرّت السنوات ونجتاز الآن نصف قرن من الاستقلال، ولم يحدث وأن رأس الجزائر – كما قال فاروق قسنطيني – أبدا رئيسا يحمل شهادة البكالوريا أو درس في الجامعات الستين التي يفخر بها الرؤساء جميعا ويعتبرونها من إنجازات الجزائر المستقلة، وبينما  تعترف الدولة بأن أكثر من نصف مليون حامل لشهادات جامعية بعضهم برتبة دكتور وبروفيسور يقفون في طابور البطالة الطويل، يوجد حاليا مديرون تنفيذيون، ورؤساء بلديات ومحافظو قسمات في الحزب العتيد وبرلمانيون وسيناتورات من الذين يقال أنهم يسيّرون البلاد، لا يحملون من الشهادات غير شهادة ميلادهم، وشهادات وفاة شعبهم.

في إيران وفي ماليزيا وفي تركيا وفي أندونيسيا وكلها بلدان إسلامية تتقدم بهدوء وبكل تأكيد، صارت الشهادات الكبرى التي لا يبلغها إلا الكادّون، هي أحد الجسور الضرورية لبلوغ المسؤولية تضاف لها شهادات النجاعة والخبرة لأجل الترشح لمنصب رئيس حزب أو رئيس دولة، وفي النمسا وألمانيا والدول الاسكندنافية لا يمكنك أن ترتقي بجمعيتك إلى حزب ينافس في مختلف الاستحقاقات، إلا إذا كنت من أثرى الناس تحصيلا علميا، بينما تفتح الجزائر مثل هذه المناصب الحساسة للجميع، وهو ما جعل المال هو المسيّر الأول للانتخابات التشريعية والمحلية وحتى لمنصب مجلس الأمة في الفترة الأخيرة، ونخشى أن يتحرك المال في الرئاسيات القادمة، ليُحرّر الشعب من الخلفية الثورية التي حكمته، ويسجنه بالخلفية الثرائية فيبقى عمرا آخر في الثرى.

لا أحد ينكر أن الدهاء السياسي لا يتطلب بالضرورة الحصول على البكالوريا أو الشهادات الجامعية، ولا أحد يؤمن بأن العباقرة من أمثال كمال صنهاجي وإلياس زرهوني بالضرورة قادرون على قيادة البلاد، لكن للعلم قدسيته، فقد قال تعالى: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء، وقالت الأمم دائما أن البلد الذي يقرأ لا يُستعبد ولا يجوع. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • slimane

    لو كلنا نعي هاته المقالات و نطبقها لكنا شيئا اخر و لكن بين المقالات و الواقع سينين ضوئية

  • بن بريك

    مقالاتك ارقى من كلام السوق الدي يصدر من ممثلي الاحزاب ككلام عامة الناس في المقاهي والطرقات ومحتوى مقالاتك يجعلني مدمن عتى قراءة الشروق .

  • بن بريك

    لا تو جد احزاب في الجزاءر توجد سلطة نعم تختار رءيسا للجزاءر وفقط من رضي بدلك فهو يطلب ود السلطة للاكل من فتاة الماءدة

  • athmane

    aala maan takrao zabourak a ya dawoud?.nadaito hayan law asmaat lakin la hayat liman tonadi.40 hizb mina el moaarad a yajmaoun el tawkiaat li boutaflika ?ayna el moarada???

  • بشير78

    سلام الله عليك سي عبد الناصر ... وعلى جميع القراء ... دائما تتحفنا بمقالات في الصميم ... لك أجمل تحية