الرأي

سياسيون لوجه الله!

قادة بن عمار
  • 3317
  • 13

ما قام به السيناتور عن جبهة التحرير الوطني عبد الوهاب بن زعيم حين طالب بإقالة وزيرة التربية نورية بن غبريط، هو عملٌ سياسي محض وموقفٌ كان يجب أن لا يُعَدَّ “قلة انضباط” أو “قلة أدب”، طالما أنه لم يخرج عن حدود المباح؛ فالعمل السياسي في كل العالم يفرض عليك اتخاذَ مواقف واضحة، إلا في الجزائر فإنه محكومٌ بالسرية والانتهازية والالتزام بالنص دون امتلاك نيَّة التمرد عليه!

في كل الطبقات السياسية بالدول المحترمة و”غير المحترمة”، هنالك اتجاهات واضحة: يمين ويسار ووسط، اتجاه ليبرالي وآخر اشتراكي، إسلاميون ووطنيون وشيوعيون وو.. إلا في الجزائر، هنالك موالاة فاسدة ومعارضة بائسة مع انتشار طبقة جديدة، لا فكر لديها ولا هدف ولا رؤية.. مجرد مناضلين بلا عنوان و.. “سياسيون لوجه الله”!

هؤلاء، يترشحون في الانتخابات ويناضلون في الصالونات ويرفعون أياديهم في البرلمانات، ويوقّعون على البيانات ويلتزمون بالتعليمات، يصفقون حين يُراد منهم التصفيق وينددون حين يُطلب منهم التنديد.. وكل هذا يُراد له أن يكون لوجه الله..أو هكذا يزعمون!

لذلك كان غريبا أن يتمرّد برلمانيٌ على ثقافة القطيع ليطالب بإقالة وزيرةٍ في الحكومة، تماما مثلما كان غريبا أن يخرج برلمانيٌ آخر بمبادرة “عهدة جديدة للرئيس” طالما أن التلفون لم يرنّ بعد، فـ”الانضباط الحزبي” الذي يُروِّج له أمين عام جبهة التحرير جمال ولد عباس لا علاقة له بالنصوص الداخلية وإنما بالتعليمات الهاتفية!

في أزمة الإضرابات الأخيرة التي شلَّت قطاع التعليم، حاولت الوزيرة بن غبريط استمالة النقابيين من خلال التفاوض مع جبهة القوى الاشتراكية، لكن هذه الأخيرة، والشهادة لله، حزبٌ يمرض ولا يموت، فحتى في عزّ أزمته السياسية الخانقة لم يقبل منح تعليمات لنقابيين يناضلون فيه من أجل وقف إضرابهم بغية عقد صفقات (على الأقل ليس هذا هو التيار الغالب داخل حزب الدا حسين حتى الآن!) لكن جبهة التحرير فعلتها في الاتجاه المعاكس، ومع من؟ مع سيناتور حاول أن يقول كلمته بكل أدب، فاتهموه بـ”قلة الأدب”؟!

يبقى السؤال حاليا، وبعد تدخل ما بات يُعرف بـ”الجهات العليا” لإنهاء الإضراب رغم عدم تنفيذ كل المطالب، ومع تعطيل لجنة الانضباط التي كانت ستحاكم بن زعيم: هل تلّقى الحزب العتيد أمرا فوقيا من أجل وقف محاكمته للسيناتور المتمرِّد؟

ثم ما هي حدود الموالاة المطلوبة من جبهة التحرير على وجه الدقة؟ ومن يرسم تلك الحدود؟ الأكيد أنه ليس جمال ولد عباس الذي يعرف الجميع أنه انتقل بالحزب من أداةٍ لتصفية الحسابات وشنّ الحروب في عهد سعداني إلى مادة للتنكيت الشعبي والفايسبوكي خلال عهده.. و”مازال الخير لقدام”!

ما تم ارتكابُه مع بن زعيم، أو مع غيره من المتمردين على تعليمات جبهة التحرير، بنسختها الحالية، يؤسس لنواب ومناضلين شعارهم “كول الخبز واسكت” وهو ما يجعل الكثير من البرلمانيين التابعين للحزب الواحد سابقاً يتهرَّبون من أسئلة الصحفيين ويفرُّون من استفسارات المواطنين، حتى إن أحدهم قال في الكواليس مبررا وجوده تحت قبة البرلمان: أنا هنا.. لأرفع يدي حين يأمرون، و”نهبطها” حين يأمرون!

مقالات ذات صلة