الرأي

سيخبرون الله بكلّ‮ ‬شيء‮!‬

سلطان بركاني
  • 3727
  • 34

معاناة قلّ‮ ‬أن تعرف البشرية لها نظيرا،‮ ‬تلك التي‮ ‬يعيشها اللاّجئون السّوريون في‮ ‬الأردن ولبنان هذه الأيام،‮ ‬على إثر العاصفة الثلجية التي‮ ‬ضربت عددا من بلدان شرقي‮ ‬المتوسّط،‮ ‬وتوفّي‮ ‬خلالها عدد من النّازحين،‮ ‬ولم‮ ‬يجد من بقي‮ ‬منهم على قيد الحياة مأوًى ولا وطاءً،‮ ‬ولا طعاما ولا‮ ‬غطاءً‮.‬

كان بين المتوفّين طفلة عمرها‮ ‬10‮ ‬سنوات،‮ ‬وطفل عمره‮ ‬6‮ ‬سنوات،‮ ‬ورضيعة عمرها‮ ‬3‮ ‬أشهر،‮ ‬رحلوا إلى ربّهم في‮ ‬مخيّمات اللاجئين السّوريين في‮ ‬لبنان،‮ ‬بسبب البرد القارس،‮ ‬وهم‮ ‬يرْثون حال أمّة شغل حكّامها وشغلت وسائل إعلامها بعدّ‮ ‬الإنجازات الكرتونية خلال العام المنصرم‮ ‬2014م،‮ ‬وبتقديم أخلص التّعازي‮ ‬للفرنسيين في‮ ‬مصاب الصّحيفة السّاخرة‮ “‬شارلي‮ ‬إيبدو‮”‬،‮ ‬وبرصد أسعار النّفط التي‮ ‬حبست أنفاس كثير من المسؤولين الذين لم‮ ‬يعيروا قبل هذا أيّ‮ ‬اهتمام للسّوريين وهم‮ ‬يصرخون‮: “‬لو كان أطفالنا‮ ‬ينزفون نفطا لسارعتم إلى إنقاذهم‮!”‬

أوصالٌ‮ ‬ترجف ودمعات تسيل وحناجر تكاد تتشقّق من الصّراخ،‮ ‬وأصوات بحّت لكثرة النّداءات والاستغاثات التي‮ ‬رفعت إلى أمّة المليار ونصف المليار من دون فائدة‮.‬

رحل أطفال سوريا الذين قضوا في‮ ‬العاصفة الأخيرة،‮ ‬كما رحل قبلهم أكثر من‮ ‬7‮ ‬آلاف طفل سوريّ؛ رحلوا وفي‮ ‬نفوسهم لوعة وحسرة على أمّة الإسلام لا تطفئها بحار الدّنيا؛ رحلوا ليخبروا العليم الخبير سبحانه بالحال التي‮ ‬آلت إليها أمّة الشّهادة،‮ ‬وليشْكو إليه إعراض إخوانهم المسلمين الذين جعلوا أصابعهم في‮ ‬آذانهم واستغشوا ثيابهم عن سماع صرخاتهم وأنّاتهم‮.‬

سيخبر أطفال سوريا ربّهم ـ وهو العليم سبحانه ـ أنّ‮ ‬بعض إخوانهم السّوريين في‮ ‬مخيمات اللاّجئين قد اضطروا إلى أكل أوراق الشّجر لمقاومة الجوع،‮ ‬بل إنّ‮ ‬عشرات منهم قد فاضت أرواحهم إلى بارئها في‮ ‬بعض المخيّمات بسبب الجوع القاتل،‮ ‬كان بينهم شيخ كبير قتله الجوع،‮ ‬وُجد جثّة هامدة قد التصق جلده بعظامه النّحيلة،‮ ‬وقد ربط على بطنه حبلا لمقاومة وطأة القاتل الصّامت‮. ‬هكذا‮ ‬يموت شيوخ وأطفال سوريا في‮ ‬وقت انشغلت فيه بعض دول المسلمين بإغداق الملايين على اللاعبين والفنانين والمغنين،‮ ‬وعلى اللهث خلف تحقيق الأرقام القياسية في‮ ‬تفاهات وسفاسف الأمور‮.‬

قبل أيام قليلة من العاصفة الأخيرة التي‮ ‬بلي‮ ‬بها إخواننا المسلمون في‮ ‬لبنان والأردن وسوريا وفلسطين،‮ ‬كانت دولة مسلمة هي‮ ‬دولة الإمارات أنفقت ما‮ ‬يقارب نصف مليار دولار على احتفالات رأس السّنة،‮ ‬وهو المبلغ‮ ‬الذي‮ ‬يتعدّى‮ ‬3‮ ‬أضعاف المبلغ‮ ‬الذي‮ ‬تنفقه دولة أوروبية مثل ألمانيا على الاحتفالات نفسها‮!‬

لقد أخبر نبيّ‮ ‬الهدى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أمّته بقصّة امرأة دخلت النّار في‮ ‬هرّة حبستها،‮ ‬فلا هي‮ ‬أطعمتها ولا هي‮ ‬تركتها تأكل من خشاش الأرض،‮ ‬ليقرع أسماع المسلمين بعِظم جرم من‮ ‬يكون بتقاعسه وتهاونه سببا في‮ ‬موت حيوان،‮ ‬فكيف بإنسان؟ بل كيف بطفل مسلم بريء؟ ودخل ـ صلوات ربّي‮ ‬وسلامه عليه ـ‮ ‬يوما بستانا فلمّا رآه بعيرٌ‮ ‬دمعت عيناه،‮ ‬فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لصاحبه‮: “‬إنّه شكا إليّ‮ ‬أنك تجوّعه وتتعبه‮”‬،‮ ‬انتصر نبيّ‮ ‬الرّحمة ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لبعير مظلوم،‮ ‬فليت شعري‮ ‬كيف سيكون مقام عبادٍ‮ ‬لله بين‮ ‬يدي‮ ‬العدل سبحانه وهم الذين ما فتئوا‮ ‬يَخذلون المسلمين ويسْلمونهم للجلادين والجزّارين،‮ ‬ويضربون صفحا عن مآسيهم التي‮ ‬لان لها الحجر‮.‬

كيف سيكون موقف المسلمين بين‮ ‬يدي‮ ‬الله‮ ‬يوم‮ ‬يسألهم عن أطفال فلسطين وسوريا،‮ ‬وعن أبرياء العراق ومالي‮ ‬والصّومال،‮ ‬وعن إخوانهم الذين قطّعت أوصالهم في‮ ‬إفريقيا الوسطى،‮ ‬وإخوانهم الذين أحرقوا أحياء في‮ ‬بورما،‮ ‬وعن أخواتهم المسلمات اللاتي‮ ‬يصرخن في‮ ‬المسلمين‮ ‬يطلبن النّجدة ممّا‮ ‬يتعرّضن له من قتل واغتصاب وإهانات لا قبل لنساء المسلمين بها‮.‬

إنّه ابتلاء عظيم‮ ‬يمرّ‮ ‬به إخواننا المسلمون في‮ ‬بقاع شتى من هذا العالم،‮ ‬ولكنّ‮ ‬الابتلاء الأعظم هو ما نمرّ‮ ‬به نحن المسلمين الذين نعيش الدّعَة والرّاحة ونتقلّب في‮ ‬نعم الله بكرة وعشيا،‮ ‬ابتلاء لنا هل ستتحرّك قلوبنا لمصاب إخواننا وأخواتنا فنتوب إلى الله ونعود إلى ديننا ونهجر الشهوات والملهيات؟ أم إنّنا سنبقى مصرّين على‮ ‬غفلتنا حتى‮ ‬يحيق بنا ما حاق بهم؟‮ ‬يقول نبيّ‮ ‬المرحمة ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم‮: “‬ما من امرئ‮ ‬يخذل امرأ مسلما في‮ ‬موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه،‮ ‬إلا خذله الله في‮ ‬موطن‮ ‬يحبّ‮ ‬فيه نصرته‮”.. ‬نسأل الله السّلامة والعافية،‮ ‬ونسأله سبحانه الفرج لإخواننا المسلمين في‮ ‬كلّ‮ ‬مكان‮.‬

مقالات ذات صلة