جواهر
الأديبة آسيا جبار اتخذت اسمها تكريما لصداقتهما

“سيداتي آسيا”.. رائدة التعليم بالمدارس الباديسية في شرشال

الشروق
  • 1395
  • 5
ح.م

في لقائنا بالمجاهدة آسيا بن مقدم أو كما يحلو لسكان مدينة شرشال في ولاية تيبازة أن ينادونها “سيداتي آسيا” كونها كانت معلمة بالكتاتيب القرآنية التي أسستها جمعية العلماء المسلمين، ربت أجيالا كثيرة منذ ولوجها عالم التعليم سنة 1951 إلى أن تقاعدت سنة 1994، شد انتباهنا المزج المقدس بين رسالة التعليم بالواجب الوطني الثوري، إذ تعد أحد العناصر النشيطة في شبكة الشهيدة لالة يمينة، كما تعد من الصديقات الحميمات للأديبة آسيا جبار لدرجة أنها اختارت اسمها لشهرتها الأدبية العالمية.
آسيا بن مقدم مجاهدة من مواليد 17مارس سنة 1935 بمدينة شرشال، وهي أم لخمسة أبناء، منهم بنتين تقفوا أثار أمهما في التعليم، وهما أمال أستاذة في مادة التاريخ والجغرافيا ووفاء أستاذة في اللغة الإنجليزية، كما لم تخف أنها كانت صديقة حميمة للأديبة العالمية آسيا جبار منذ كنتا في صفوف الكشافة الإسلامية، وكونها كانت جارتها بعين القصيبة لدرجة أنها اتخذت اسمها “آسيا” كاسم لشهرتها الأدبية لأن اسمها الحقيقي هو فاطمة الزهراء إملحاين، وتضيف أن الكاتب والسفير والوزير الأسبق للشباب والرياضة بوشامة كمال درس عندها سنة 1956 وتعلم أولى خطوط الحروف العربية وحفظ الآيات القرآنية، شأنه شأن الروائية والكاتبة الصحفية نورة صاري التي درست عندها هي الأخرى ككل الإطارات التي سكنت بيوت شرشال العتيقة.
وفي حوار مع “الشروق” حطتنا المجاهدة والمعلمة وسط أجواء وظروف تاريخية من خلال سيناريو شهاداتها عن نضالها الممزوج بالتعليم والواجب الثوري، منوهة بجيلها الذي أدى الرسالة التعليمية بالمخاطرة وتقديم النفس والنفيس لإنجاح الثورة الجزائرية من أجل مستقبل أفضل، وكيف كان التعليم القلعة الأولى لضمان استمرار المقاومة من أجل كسر قيود الاستعمار، مشيرة إلى أنه كان صراع بين المدارس القرآنية الباديسية والمدارس الرسمية الفرنسية التي كانت تحارب وتعارض تواجدها، فيما كانت المدارس القرآنية من جهتها تحافظ على الهوية الوطنية الإسلامية بكل مقوماتها.

“الحايك” لتضليل قوات المستعمر

ويبين اللقب الذي اكتسبته المجاهدة آسيا بن مقدم، والمتمثل في “سيداتي آسيا” الأثر والبصمات الإيجابية التي تركتها في الوسط الشرشالي، هذه المربية التي كانت معلمة بالمدرسة القرآنية “الراشدية” المتواجدة بالحي الشعبي عين القصيبة وسط المدينة منذ سنة 1951، والتي أسستها جمعية العلماء المسلمين وكان المسؤول عن المدرسة بالمدينة أنذاك “علي شنتير”، كما أشارت في حوارها معنا أنها تأثرت منذ صغرها بالنضال من أجل الوطن، وأرجعت ذلك إلى بداية إدراكها للوضع العام قبل الثورة، وكيف بدأت تتشبع بالروح النضالية الوطنية، وقالت إن من حسن حظها أنها ابنة عم الشهيد “محمد دزيري” المعروف بجنونه على الوطن إلى أن كني “بالدزيري” في شرشال وخالها عبد الله حمداني اللذان يعتبران من الشهداء المباشرين لنضالهم منذ أحداث أول ماي سنة 1945 التي جرت بشرشال من أجل المطالبة بالاستقلال، وخلال الثورة النوفمبرية ناضلت المعلمة كامرأة في العمل الثوري رفقة ابنتي عمها زهية وزبيدة بن مقدم، وتعاهدن على الجهاد حتى النصر أو الاستشهاد، خضن عملهن بلباس “الحايك بالتنقيبة” كما يعرف محليا، وكان هذا اللباس التقليدي يساعدهن على إخفاء الهوية الحقيقية الخاصة بهن ما سهّل عليهن التنقل بسهولة.
في ذات السياق تقول المجاهدة المعلمة إنها اتخذت المدرسة مكانا لتبادل البرقيات والرسائل الخاصة بالثورة فيما بعد من خلال تلقي سيداتي أسيا لتلك الوثائق من أسوار بيوت العائلات الثورية أمثال لالة يمينة عوداي، التي كان يفصل بين منزلها والمدرسة حائط فقط، بينما أكدت “سيداتي” أنها من بين اللائي فكرن بمبادرة تخصيص صندوق التضامن أثناء الثورة بمدينة شرشال لجمع الأموال وكل ما يلزم للمجاهدين المرابطين بالجبال، وفي سنة 1957 تم القبض عليها من طرف السلطات العسكرية الفرنسية، وقامت بتعذيبها على مستوى سجن بوزريعة بالعاصمة 15 يوما بنهارها ولياليها، تقول “أنا وأختي فتيحة عُذبنا ورأينا أبشع الإهانات، وأنا لم أتجاوز 22 سنة من عمري، سيما وأن السلطات العسكرية الفرنسية التي اعتقلتنا تدرك أنني معلمة للغة العربية والقرآن الكريم، وحتى يتمكنون من أن يسقطوا احترامي ويحبطون من عزمي ويدمرون معنوياتي، قاموا في البداية بتجريدي من ملابسي وسحلي”، وأردفت تسرد بأنها لن تنسى جلادها الذي يكنى “باراسكنديلو” وهو أخطر وأعنف عنصر من وحدات القوات الخاصة للعسكر الفرنسي والذي عذبها من دون رحمة، وعقبت بالدارجة “حلفت كلمة ما تسمعها فرنسا” والحمد لله ربي وفقني لمقاومة التعذيب.

“استعدي لحفر قبرك بيديك!”

وفي اليوم 15 من يوم الاعتقال تؤكد البطلة أنها لن تنسى اليوم الأخير في غرفة التعذيب عندما أتى عندها الجلاد وقال لها “استعدي لحفر قبركي بيديك”، حينها تعرضت لاضطراب نفسي وشرعت في الصراخ حتى سمعني كل السجناء وبدؤوا بالنشيد أنشودة “من جبالنا”، حتى جاء عندها أحد حراس السجن وهو يهودي الديانة، وقال لها “اسكتي يا ابنتي غدا سيتم إطلاق سراحك”، وهذا لتهدئة الأوضاع بالسجن الذي زلزل بالأناشيد تضامنا معها، سيما وأن السجناء سمعوا صراخ وأنات من صوت امرأة تخضع للتعذيب.
وبعد افتكاك الاستقلال وطرد المستدمر الفرنسي واصلت “سيداتي آسيا” رسالتها في جهادها الأكبر إلى غاية سنة 1994 أين تقاعدت عن العمل كأستاذة بمتوسطة المسماة على مسؤولتها في العمل الثوري الشهيدة يمينة عوداي.

مقالات ذات صلة