جواهر
خوفا من سخط المجتمع

سيدات تختبئن في المراحيض لتدخين سيجارة

نادية شريف
  • 9631
  • 9
ح.م

ليس بالضرورة أن تكون المرأة المدخنة في الجزائر تنتعل حذاء رياضيا وسروال جينز ويغطي رأسها شعر بقصة الذكور ولا بالضرورة أن تكون فتاة منحلة الأخلاق، تمردت على كل الضوابط تظهر في الملاهي تعبث بسيجارة بيمين وكوب خمر بالشمال.

قد تكون المرأة المدخنة في الجزائر تلك الجميلة في رداء الحشمة قد يكون حجابا أو جلبابا وحتى بوجه يغطيه نقاب أو سيدة متزوجة وأم لأطفال لاتبرح المنزل إلا عند الحاجة، فالسيجارة تسحر السيدات من كل الأعمار ومن كل المستويات الاجتماعية والثقافية، فلم تعد تقتصر على النساء “الشيوعيات ” والمناضلات في الحركات السياسية والنقابية زمن سجائر “أفراز”و”هقار” ولا على  صاحبات الفكر اليساري بل أصبحت السيجارة تتسلل إلى حقائب سيدات لاتظهر على الكثير منهن علامات التدخين حرصا على أنوثتهن كجمال الوجه ورائحة النفس والثياب والأهم نظرة الآخرين إليهن وهنا ما يجعل المرأة المدخنة تحرص على أن تنفث سيجارتها خلسة وفي أماكن معزولة عن الناس وتتجنب نظرات قد تلاحقها بالإحتقار أو بالاشمئزاز وتتفادى عبارات الشتم وقلة الاحترام فهي في الأول والأخير امرأة والسيجارة في المجتمع الجزائري تنقص الكثير من سمعتها وأدبها وصورتها أمام أي شخص يعجب بها من العائلات المحافظة، فتنطوي المرأة المدخنة في بيتها داخل غرفة محكمة الاغلاق لتسحب أنفاسا من النيكوتين تفتح بعدها النافذة أو الشرفة وتبخ كل ما لديها من عطور في زوايا البيت وتحرص على فرش أسنانها بأقوى معجون حتى لا تفوح منها رائحة السجائر القوية، وتحاول تغيير هواء الغرفة بواسطة منشفة كما تفعل عندما تهش بعوضا أو ذبابا حتى لا ينفضح أمرها أمام زوجها أو أسرتها، أما خارج المنازل فالمرأة المدخنة سواء في العمل أو في الدراسة فتلجأ دائما الى “المراحيض “لـ”تكمي”سيجارة بسرعة بعيدا عن أعين الرجال فهو المكان الوحيد المنفصل بين الذكور والإناث، فالمراحيض في أماكن العمل وفي الفنادق الفاخرة أو في المراكز التجارية والمطارات والجامعات والمدارس هو أكثر مكان تلجأ إليه المرأة المدخنة لأخذ سيجارة، وهو المكان الذي نكتشف فيه عدد النساء المدخنات في الجزائر كم هو كبير.

ففي المقرات الادارية والحكومية والوزارات من أبسط مصلحة الى الديوان دائما هناك بقايا سجائر ملقاة في مراحيض السيدات فالمرأة المدخنة حتى وإن كانت إطارا في الدولة فهي تنعزل داخل زاوية لتدخن سيجارة.

أما الأماكن الأخرى التي تسمح أو تتجرأ المرأة أن تخرج من حقيبتها علبة السجائر وتطلب من أي شخص أن يشعل سيجارتها هي صالونات الشاي والمطاعم، وقاعات الحفلات، حيث تستبيح الكثير من النساء لأنفسهن  تصرفات  تصنف ضمن خانة المحرمات و”التابوهات الاجتماعية»، التي لا تقوى على الجهر بها ، فتختلي إلى القاعات المنعزلة تجنبا للانتقادات والمواعظ ! وتتلذذ بالسجائر التي تجد فيها “نوعا من التحرر النفسي والاجتماعي”.

وتسمح المدخنة لنفسها في المجتمع الجزائري أن تشعل سيجارة داخل سيارتها في الطرقات خارج المدينة وتنفث دخانها من الفم ومن الأنف  كما يفعل الرجال ثم تدلي يدها خارج الزجاج لتلقي ببقاياها وكلما رأى رجل إمرأة تقود سيارة وتدخن إلا وطاردها بنظرات غضب واشمئزاز وعبارات النبذ والاحتقار،  لكن المرأة المدخنة تعتبر سيارتها ملكية فردية وشخصية بإمكانها أن تفعل بداخلها ما تشاء فهي لا تخدش الحياء حسب رأيها.

فلا تزال هناك حواجز نفسية تحول دون الجهر بتعاطي السجائر وسط السّيدات أمام الملأ أو في الأماكن العمومية  فنادرا ما تتجرأ فتاة جزائرية على إشعال سيجارة في الشارع أو في الساحات أو أمام زملاء العمل على الرغم من أن  منظر الفتاة  وهي تدخن داخل قاعة شاي صار منظرا جد مألوف ورائج ومتوقع فلا يندهش المترددون على هذه الأماكن من العثور على سيدات من كل الاعمار تتمايلن مع دخان سيجارة تسحبه بعمق ثم تنفثه في الأعلى ليلف وجهها كالسحب الداكنة الممطرة، إلا أن حملهن للسيجارة وسط الشارع يبقى مرفوضاً، ويعرضهن للتعليقات والسب والشتم وأغلظ الألفاظ.

ويرى مختصون في علم الاجتماع أن ظاهرة التدخين في المجتمع الجزائري تعبير عن الرجولة ووسط السيدات هو تحرر- حسب ما صرح لنا به المختص في علم الاجتماع يوسف حنطابلي- بأن لجوء المرأة الى الأماكن المنطوية لتدخين سيجارة دليل على أن الفضاء العمومي في المجتمع الجزائري ما زال تقليديا وملك للضمير الجماعي على الأقل على المستوى الرسمي لكن على مستوى الوعي فالمجتمع خلق فضاءات مغلقة تلجأ إليها المرأة لممارسة سلوكها وهو نوع من “التحرر”.

المثير في ظاهرة التدخين وسط السيدات ليست وليدة  التطور ولا التحرر، فهناك نماذج من المدخنات في الأرياف وهن سيدات وعجائز طاعنات في السن يدخن أمام أزواجهن وأبنائهن وعادة هن سيدات عملنا في حقول التبغ.

مقالات ذات صلة