-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سيُهين الشرقُ الغربَ في بضع سنين

سيُهين الشرقُ الغربَ في بضع سنين

يبدو أن الغرب بدأ يفقد أعصابه ومنطقه لأول مرة في تاريخنا المعاصر جراء بداية تبلور تحالف واضح وأحيانا غير مرئي على المستوى العالمي عنوانه الشرق وبقية العالم ضد الغرب.

إذا استثنينا أوروبا الغربية (دون حساب الانقسامات والخلافات التي بينها) وشمال أمريكا واليابان واستراليا، فإن العالم كله أصبح بالفعل غير متضامن مع الغرب إلا تحت الإكراه أو الضغط، بقية العالم لم يعد يرغب في البقاء تحت هيمنة نظام رأسمالي متوحِّش ومتعجرف يتحكم في خيراته ورقابه. يُحرّر الأسعار متى شاء ويعتبرها شرطا ضروريا للانتماء إلى منظمة التجارة العالمية، ويُسَقِّفها متى شاء (كما فعل مع البترول الروسي) ويعتبرها شرطا للتضامن الدولي المزعوم ضد روسيا!

لقد أصبح هناك تطلعٌ لكافة الشعوب الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا الجنوبية لكي تثور ثورتها الجديدة، وتستقلّ بقرارها، وتطوي صفحة هيمنة الرجل الأبيض التي دامت قرونا من الزمن لم تعرف خلالها سوى المآسي والاضطهاد والهيمنة والاستعباد.

لقد بات واضحا اليوم أن هناك شعورا متزايدا لدى الشعوب غير الأوروبية وغير الأمريكية بأن تأخذ مصيرها بأيديها.. وليس هناك فرصة مواتية مثل هذه لِتَنتقل من حال الاستضعاف إلى حال النهضة الفعلية. لقد طالت مدة الخضوع والهيمنة وإجهاض كل فعل تحرُّري قبل تحقيق مبتغاه. تمّت محاربة الساسة الوطنيين في النصف الثاني من القرن الماضي ووُصفوا بـ”الدكتاتوريين” و”غير الديمقراطيين” عبر سلسلة من الانقلابات جرت بتدبير من المخابرات الأمريكية والغربية في تلك الفترة، وتمّت محاربة القادة الإسلاميين بكل الوسائل حتى قبل الوصول إلى السلطة ووُصفوا بـ”المتطرفين” و”الإرهابيين” وتم تشتيتهم ونفيهم وتصفيتهم جسديا في بعض الأحيان.. ولم يترك الغرب في ساحات الدول الوطنية سوى نُخبٍ غير مُحدَّدَة المعالم لا يمكنها الجهر بحقيقة توجُّهها حتى ولو أرادت. اعتبر الغرب هذه النخب بمثابة الأداة الطيِّعة في يده حتى ولو لم تعتنق أيديولوجيته وأفكاره صراحة. وكثيرا ما تعامل معها من منظور الشك المستمر في ولائها، ولذلك كان يسارع إلى التخلي عنها بمجرد اكتشاف بديل جديد يُعوِّضها. تجسد ذلك بوضوح في التعامل مع قادة الدول العربية والإفريقية التي عرفت احتجاجات اجتماعية بعد سنة 2011. لم يكن الدعم قطّ لتطلعات الشعوب نحو العدالة والحرية بقدر ما كان لأجل إيجاد بدائل لِنُخب استُهلِكت ولم تعد تستطيع خدمة مصالحه بالقدر الكافي. وهكذا لاحظ الجميع السكوت المطبق حول مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان بمجرد تحقيق أهدافه وإيجاد نخب بديلة، أو حالة فوضى، تخدم مشروعه الاقتصادي والسياسي والثقافي وتزيد من تغريب مجتمعاتها…

هذا الوضع الذي راهن الغرب أن يكون تبدُّلا استراتيجيا بعيد المدى بعد 2011، يبدو أنه لن يستمرَّ طويلا. لقد بَيَّنت قدرة روسيا على مواجهة الكتلة الغربية بمفردها إمكانية الخروج من عصر الهيمنة الغربية.. بل وفتحت باب الأمل واسعا لشعوب العالم لكي تتحرر من هذه الهيمنة ولتتأكد من أنها لن تستطيع إحراز نهضة حقيقية بدون التخلص من رؤوسها المدبِّرة في الغرب ومن أدواتها المحلية التابعة.

ولعلنا لن نُدرِك أهمية هذا التحوُّل إلا بعد أن ينتقل الغرب إلى حالة الاستجداء من الشرق أن لا يَتحد مع بقية العالم. وفي هذا المجال سيكون لنا دورٌ فعَّال كدول عربية وإفريقية وإسلامية إذا ما أحسَنَّا فهم وإدارة مرحلة التحوّل هذه. إن مستقبلنا يتوقف على درجة الوعي والثقة التي سنُدير بها علاقاتنا الدولية في السنوات القادمة.

وفي كل الحالات ستضطرّنا الأحداث إلى الاختيار الصحيح، لأننا سنرى بأمّ أعيننا كيف سيُهين الشرقُ الغربَ في بضع سنين، ويومئذ يفرح المؤمنون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!