شباب ولا “عدلان” له
الأسلوب الذي تعامل به الشباب الجزائري مع جمع الأموال لزميلهم “عدلان”، وأقف بالتحديد عند مسألة المال، يدحض أكثر من فكرة مسبقة عنهم تقول إن شبابنا اليوم قد فَقَد كل قيم الأمانة والإخلاص والتفاني والصدق في العمل والاستعداد للتضحية، ولم يعد في مستوى تضحيات آبائه الذين صنعوا النصر والاستقلال.
شبابنا لم يفقد منظومة قيمه إنما تم تغييبها عنه، مُنع من أن يُعبِّر عنها، دُفع دفعا إلى أن يُحْرَم من التعبير عنها، تم التضييق عليه لكي لا يكون هو نفسه كما يريد، فُتحت أمامه أبواب الشر أوسع وأرحب من أبواب الخير، تم تقديم القدوة السيئة له في أولئك الشُطّار الذين بلا جهد أو عمل حققوا الثروة أو تبوأوا زيفا وخداعا الأماكن المرموقة في المجتمع.
كان يكفي توفر عامل محرك لشبابنا (نداء عدلان) ليحرك عمقه النقي من جديد، وتَبرز منظومة قيمه الحقيقة ويُمكِن قياسها في الميدان من خلال سلوك تضامني وحضاري فعَّال يبدو لنا وكأنه ابن زمن آخر غير هذا الزمن.
أجزم أنه تم جمع كل تلك الأموال وعدُّها دون أن ينقص سنتيم واحد منها، وتم تسليم الأمانة إلى أصحابها في الحفظ والصون لتوجه نحو الغاية التي من أجلها جُمعت. لم يفكر شبابنا في نهبها، ولا في تبديدها، ولا في صرفها في غير محلها.
هل من قائل الآن إن شبابنا اليوم ينقل بأمانة ملايين الدينارات دون أن يمس سنتيما واحدا منها رغم حاجته الماسة إلى ذلك؟
هل من مُذكِّر بذلك الجندي الذي كان ينقل كيس النقود من الشرق إلى الغرب أثناء ثورة التحرير المباركة دون أن ينقص منه فلسا واحدا على حد تعبير الرئيس الراحل هواري بومدين؟
أليس من واجبنا أن نستخلص أن المشكلة ليست في معدن الشباب الجزائري، إنما في تلك السياسات الخاطئة التي اعتمدت من أجل دفعه دفعا نحو النصب والاحتيال واللهث وراء الربح السريع؟
أليس من واجبنا اليوم أن نرفع النداء عاليا بأن يتم الإسراع بوضع حد لتلك الدعوات الناعقة بأن شبابنا انتهى، وأن كل شيء يسير نحو الهاوية، وأن لا أمل في المستقبل؟
أليس حريا بنا أن نقول: مشكلتنا ليست في غياب الشباب، وغياب القيم لديه، وغياب الإرادة والإخلاص، إنما في غياب القضية، العامل المحرّك، الفكرة، الدعوة الصادقة إلى الالتفاف حول القضية أو الفكرة، الشخص الذي يؤمنون به وبصدقه وبألمه، وبأنه بحق في حاجة إلى الوقوف على رجليه مثل عدلان الذي ناداهم ولبوا النداء…