-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شرعية حكومة: حيّرت فيبر والماوردي والحاكم المتغلب…

محمد سليم قلالة
  • 3375
  • 13
شرعية حكومة: حيّرت فيبر والماوردي والحاكم المتغلب…

لن تكون لأية حكومة فاعلية إذا لم تكن تحظى بالقدر الكافي من الشرعية، لن يكون الوزير وزيرا إذا لم يكن يستند إلى دعم حقيقي من الشعب، وليس على دعم مزيّف، ولن يستطيع اتخاذ قرارات وتطبيقها بالكيفية اللازمة إذا لم يكن لديه السند الكافي ضمن الوسط الذي يتحرك ضمنه ويريد تغييره أو إصلاحه… هذه الشروط لم نتمكن لحد الآن من توفيرها لأكثر من حكومة تعاقبت على بلادنا، ولذلك فإننا لم نتمكن إلى الآن من تشكيل حكومة هي بالفعل التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب تنفذ سياسة نابعة منه وتلقى الاستجابة الكافية لديه، وتستند قبل ذلك إلى تفسير موضوعي على الأقل إذا لم يستقم مع علماء الإسلام، يتطابق مع تحاليل فلاسفة الغرب، ولا يبقينا فقط ضمن مبررات وجوب الخضوع لشرعية الحاكم المتغلب…

بحثت في قواميس العلماء والمفكرين والساسة عن سند للشرعية للحكومات المتعاقبة على بلادنا فلم أجد، فلا تصنيفات ماكس فيبر للشرعيات الثلاث تنفع، ولا تحاليل بورديو للفضاءات الاجتماعية  يمكنها أن تستقيم، ولا العودة للصراع الطبقي عند ماركس إنجلس يمكنه أن يكون نافعا، ولا تقسيمات سبنسر ودوركايم  وبارسونس للمجتمعات يمكنها أن تفسر التعبير السياسي لأية حكومة من حكوماتنا، ولأني عجزت على ذلك قلت لعلنا مجتمعات شرقية لا تنطبق علينا التنظيرات السوسيولوجية لعلماء الغرب، فعدت إلى الآداب السلطانية، إلى شهاب الدين ابن أبي الربيع الذي كتب سلوك المالك في تدبير الممالك، وإلى الماوردي وأحكامه السلطانية، إلى ابن رشد وعقلانيته في اختيار الحاكم، إلى ابن تيمية وسياسته الشرعية بل حتى لما عُرف حديثا بفقهاء”إمامة المتغلب” الذين أفتوا بشرعية حكم من استولى على السلطة بالقوة ووجوب طاعته مادام حكمه أصبح واقعا… فلم أجد السند الذي يمكنني أن أبرر به حكوماتنا اليوم… !!!

وحتى لا أغوص في التنظير، وهذا ليس مقامه، أقول بأن فيبرMax Weber  قال بأن الشرعية تكون على ثلاثة أصناف:

إما تاريخية تقليدية تقوم على الاعتقاد بقدسية التقاليد والأعراف، أو كاريزمية تقوم على مبدأ الزعيم الملهم، أو عقلانية تقوم على احترام القانون والكفاءة وسلطة المؤسسات، ونحن لم نعد نملك أيا من هذه، فالشرعية التاريخية تآكلت إلى أبعد الحدود حتى أننا لم نجد مجاهدا يكون وزيرا للمجاهدين، وتقاليدنا التي تقوم على حكم العروش وزعماء القبائل قمنا بتقويضها ومات من بقي من الزعماء المعروفين، والعبقري الملهم الكاريزمي الذي يقبل به الناس تعرفون جميعا أننا افتقدناه مع آخر شخصيتين لديهما كاريزما حقيقية وليست مزيفة، الرئيسين: بومدين وبوضياف.

فلنضع تنظير ماكس فيبر جانيا: إنه لا يصلح لبلد كالجزائر.

بين ماركس وبورديوBourdieu خلاف، الأول يقول بأن الشرعية هي شرعية الطبقة السائدة، والطبقة السائدة إما أن تكون رأسمالية تمتلك وسائل الإنتاج، أو تكون بروليتارية تستند إلى الملكية العامة لهذه الوسائل، والثاني يقول بأن الأول يفترض وجود ما لا يوجد، إنها ليست سوى فضاءات يوجد بها أفراد متموقعين حسب علاقات الهيمنة التي بينهم، أي أن الطبقات غير موجودة إلا افتراضا، وأن الناس إما أن يكونوا في الأعلى ويسعون إلى الحفاظ على مواقعهم أو يكونوا في الأسفل ويسعون إلى الصعود، وبينهما يجري الصراع… أيضا لا تستقيم النظريتان عندنا، فلا نحن نرى شرعية طبقية بالمعنى الماركسي ولا نحن نجد فقط من تموقعوا في الأعلى، في الحكومة.. أحيانا يتم نقل أفراد مباشرة من اللاشيء إلى كل شيء، من مستوى اجتماعي إلى آخر بدون مقدمات وعلى أسس أخرى تماما … يحتار فيها كل من ماركس وبورديو.. بل وأنصار كل نظريات “التمايز” الاجتماعي من سبنسر إلى تالكوت باريسونس.

أما إذا عدنا لتراثنا الثقافي الإسلامي فإننا نجد الإمام الماوردي يقول بأن من يترشح للإمامة (الحكم) ينبغي أن تتوفر فيه 07 شروط: العلم، العدالة، سلامة الحواس، سلامة الأعضاء، الرأي والحكمة، الشجاعة والنسب… وأن يتم اختياره من قبل أهل الاختيار الذين ينبغي أن تتوفر فيهم ثلاثة شروط: العدالة والعلم والرأي والحكمة. وأن الدين أساس شرعية السلطة، لأن الحاكم ينبغي أن يكون رئيسا دينيا ودنيويا وأن الدولة هي حارس الدين والدين هو منهاج الدولة.

أما ابن رشد فعنده القائد ينبغي أن تتوفر فيه شروط خمسة هي: أن يكون ميالا لدراسة العلوم النظرية، جيد الحفظ، محبا للصدق، كارها للكذب، غير محب للمال، شجاع قادر على الجهاد، يحب الفضائل والعدل، بليغ حسن العبارة، تام الأعضاء الجسدية..وكذلك الشأن لابن الربيع قبله أو ابن تيمية بعدهما، جميعهم يتفقون أن الشرعية عند المسلمين أساسها: الارتكاز على العقيدة، الجمع بين الحق والسلطان القاهر (القوة) وإنجاز الأمانة وعقد المبايعة، أي أن السياسة الشرعية معناها أن شرعية الدولة أو الحكومة مرتبطة بمدى التزامها بقواعد الدين لسياسة أمور الدنيا… ولا نستثني من هؤلاء إلا الذين نظروا لما عُرف حديثا بحكومة المتغلب التي تستمد شرعيتها من القوة وحدها وتفترض وجوب السمع والطاعة من الناس من غير السؤال على توفر أي من الشروط الأخرى التي يكاد يتفق بشأنها علماء الإسلام.

فإلى أي من الحكومات هي الأقرب حكومتنا اليوم، وعلى أي من الشرعيات تستند؟

يبدو أننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال تصنيفها، ولا تصنيف نوعية شرعيتها، ولا معرفة الأسس التي تستند إليها، لأن كل تحليل لا يستقيم معها، ومن ثم فهي حكومة فريدة من نوعها لا يستطيع أن يفهمها فيبر ولا الماوردي قريبة من حكومة المتغلب، ولكنها لا تتطابق معها كل التطابق، إذ هناك بعض الشرعية القانونية لها أو ما يسميه البعض (المشروعية) ـ légalité، فقد تم الإعلان عنها إجرائيا وفق أحكام الدستور، وتطبيقا للقانون… ومن قبل رئيس للجمهورية منتخب للتو، مهما قيل عن شرعية انتخابه…

أي أننا أمام حكومة يصعب أن نطابقها مع أية شرعية كانت بمفهوم légitimité، وإن استحضرنا حجج الأولين والأخيرين، من الشرق أو من الغرب، كما لا يمكننا أن نكتفي بمشروعيتها القانونية لنقول بأنها تستطيع أن تفعل، ولا بمشروعية الغلبة لديها باعتبارها واقعا لا مجال للفرار منه، وعليه فإنه ليس أمامنا سوى انتظار اليوم الذي يمكن لبلادنا أن تعرف فيه حكومة تستند على شرعية على الأقل إن لم تكن متطابقة مع هذا التنظير تكون متطابقة مع ذاك.. يمكننا أن نعرف وجهتها ولونها وإلى أين هي تسير… لقد أضعنا الكثير من الوقت ونحن نسير على غير هدي، من غير رؤية، من غير قاعدة فكرية، وأصل يستند إلى العقل أو إلى النقل أو إليهما معا، يوجهنا… حيارى لا ندري طبيعة شرعيتنا، نعزي أنفسنا بأمر واحد، ككل مرة.. بذلك الأمل الذي يقول: إن شرعية حكومة حيّرت كل هؤلاء لن يطول بها الزمن لتدوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • Kada

    حتى يكون الحاكم عادلايجب على الحاكم ان تكون فيه الصفات التي يجب ان تتوفر في الحاكموالتي جاءبها المقال عن صاحب كتاب العدل اساس الحكم وهي العلم،العدالة،سلامة الحواس،سلامةالأعضاء،الرأي والحكمة،الشجاعة...وأن يتم اختياره من قبل أهل الاختيارالذين ينبغي أن تتوفر فيهم ثلاثة شروط:العدالة والعلم والرأي. الا عندناللاسف الشديد نظام حكمنا طبق عكس ذلك بالتمام و الكمال في جزائر القرن الواحدو العشرين.هاهو مصيرحكم دولتنايعبث به من قبل عصبةنافذةبقوة الزوروالجوروعدم احترام ارادةالشعب بعيدعن الشرع والدستوروالقانون

  • عابر سبيل

    لماذا لا نكتب بل نبكي على المستوى الحضيضي الرهيب الذي وصلت إليه حالة التعليم في بلادنا ؟ ماذا نجني من معرفة حقيقة هذه الوزيرة ؟ لو سلمنا جدلا أنها ليست جزائرية ما العمل هل تقال ؟ و إن كانت غير جزائرية يجب أن نبحث في كل أصل و فصل جزائري مِن أين ؟ و إذا أستطعنا أن نصل إلى نتيجة ـ وهم ! ـ لابد من إيجاد حل لهذه الممصيبة التي تسمى : أصلك مين ؟ ثم على الذين دخلوا الإسلام و أصلهم غير جزائري نعيدهم إلى من حيث أتيتم !!! فنحن الآن أمام طامة و طامات لأنه ليس من العدل أن أسأل عن أصل الآخر و لا أقبل منه نفس

  • م-خ

    ارجوا منك يا أستاذ ان تكتب لنا عن حقيقة هذه السيدة اي وزيرة التربية الجديدة عن اصلها وفصلها و ما هو رأيك فيها و جزاك الله عنا كل خير و السلام

  • حمورابي بوسعادة

    لا ماكس فيبر ولا بن خلدون يفهمه ويستوعبه الجزائريون ...الجزائري البسيط مثلي يقول شعب رائع ينتج قادة أروع وقال من قال علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وشعب ....أكمل أنت.

  • نداء اغاثة

    إلى متى يبقى الحال على ماهو جفت أقلام الكتاب من كشف ألاعيب وفساد النظام وبحت أصواتنا من التنديد فهل من مغيث ...

  • نداء‘غاثة

    إلى متى يبقى الحال على ماهو جفت أقلام الكتاب من كشف ألاعيب وفساد النظام وبحت أصواتنا من التنديد فهل من مغيث ...

  • نورالدين الجزائري

    !!! Et merci a toi meme mon frere
    و البركة موصولة لكم دوما . و إسمك هذا الذي يؤلمني كلما كنت بعيدا عن بلدي !

  • antivirus

    Merci monsieur noureddine,barakaallaho fik

  • اساس البلاد

    لو سالت اي سياسي محنك من بلدان الغرب .. هل حقا الجزائر لديها حكومة ?? وهل حقا حكومتها في مستوى الجزائر ?? / سيكون جوابه لا .. لان الجزائر بلد سهل بنائه و سهل تطويره في مدة قصيرة من الزمن لدرجة انه يصبح بلد يتمتع بكل الحقوق و يوفر الاستقرار و حياة الرفاهية لكل من اراد ان يقيم فيه .. / لماذا لم يتحقق هذا حتى الان/ ولماذا ليس هناك جواب مقنع من طرف هؤلاء الذين يدعون انهم حكام / اين انتم من هواري بومدين و ذلك الزمان الذي كان فيه المواطن الجزائري يتمتع بحاسة الانضباط و يتمتع بنعمة وطنه في بلاد مستقلة

  • نورالدين الجزائري

    بعد إقراره بالأغلبية و هي قد أكسبت القانون قوة بكونها جزء في البرلمان المشرع ، فالإسلاميون و إن زعموا المعارضة في البرلمان فهم جزء من المشرع ، و القانون يصدر بإسمهم كما يصدر بإسم الأغلبية المؤيدة و هم شركاء في إصدار القرار الذي يأخذ صبغة الحق و الشرعية و القوة الدستورية ليصبح قانونا ! فلو صدر قانون إباحة الخمر للناس فالإسلاميون و غيرهم ـ حتى أكون منصفا في الباطل مع الجميع ـ و وافقت عليه الأغلبية فيصبح قانون واحد صادر عن الجميع .. العلمانيون يفهمون هذه المعادلة فهل المسلمون يجهلونها ؟ و الله أعلم

  • نورالدين الجزائري

    حقيقة البرلمان ؟!! المنظومة في إسناد الحق لسيادة الشعب هي مصيبة ما بعدها مصيبة ، لأنها منبعثة من العقيدة العلمانية التي ترى أن الناس أحرار في إصدار التشريعات التي تناسب معطيات حياتهم و لكن أين دور العقل في البحث عن ميزان العدل و الحق في إصدار القوانين بعيدا عن أهواء البشر ؟ العقل مهمته البحث عن الحقيقة العادلة لا أن يصدرها من جوهره ! مما ينبغي التنبيه عليه هو أن الأحكام الصادرة من الحاكم و البرلمان إكتسبت قوتها من من طرف الأغلبية و المعارضة ، فالمعارضة إن عارضت قانونا قبل صدوره إلا أنها ملزمة به

  • نورالدين الجزائري

    لأنه مستمد من عقول البشر ! الحكم الشرعي خطاب الشرع و ليس وصفا للحكم و لا حسن و لا قبيح و لا مدخل للعقل فيه و لا حكم قبل ورود الشرع . المستصفى 1/8 . و الصراع قائم مدام الظلم ظاهر . أي حكم عادل شرعي قاسط لابد من النظر إلى أركانه و أهمّ أركانه هو النظر إلى الحاكم مَن هو ؟ بمعنى العهدات الثلاثة كانت فيها العدالة أم الظلم كان فيها النظام أم الفوضى كانت فيها حفظ أموال الأمة أم الإختلاسات زاد إلتزام الناس و عمت الأخلاق في مجتمعتنا أم زاد الإنتحار بين الأجيال 3 ؟ من أين يستمد الحاكم تسييره للمرافق ؟

  • نورالدين الجزائري

    إن فيلم كرنفال في دشرة لم يكن مضحكا أكثر مما هو مبكيا ، فتجده ُيذكر على ألسنة الناس لما له من مغزى و معنى وفي تتأملنا لتسيير المرافق بهذه العفوية الفوضوية أو النية المبية . ما هي حقيقة الحكم الشرعي ؟ أي الحكم العادل يقول فقهاء الأصول أركانه 4 و هي :الحاكم و المحكوم عليه و المحكوم فيه و نفس الحكم ، فإذا إختل ركن 1 منها فلا يسمى حكم شرعي ، إنه من الصعوبة أو المستحيل أن نجد حكما شرعيا على وجه الأرض بمفهومه العامة لا فيما يدور في بلادنا ، الغربيون لهم من الشرعية إلى حد ما في حكمهم و لكن الخلل يبقى