شكر، واعتذار، وجواب
بادىء ذي بدء أوجّه خالص شكري للإخوة الأفاضل الذين يتابعون ما أنشره عبر “الشروق أون لاين”، ويتفاعلون مع ما أكتبه بإبداء آرائهم عن الكاتب والمكتوب، الذي أرى أكثره مدحا أخجل منه، وأسأل الله – البر الكريم – أن يستر عيوبي وعيوبهم، وأن يغفر ذنوبي وذنوبهم، وأعتذر إليهم إذا لم أرد على تلك التعليقات لكثرتها، ولضيق وقتي، وأرجو من فضلهم أن يقبلوا عذري.
وفي بعض الأحيان يعلق بعض الناس تعليقات هي أقرب إلى الجدال بالباطل، لأنها تريد إنكار ضوء الشمس في رابعة نهار صيفي، ولو كانت تعليقات حقيقية لرددت عليها.
إن الأمر الذي يزيدني زهدا وإعراضا عن الرد على تلك “الهدره” هو أن أصحابها – وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة – ليست لهم الشجاعة الأدبية فيكشفون أسماءهم الحقيقية، ويختبئون خلف أسماء مستعارة، وأنا على مذهب إمام الجزائرعبد الحميد ابن باديس الذي انتقده شخص ولكنه لم يذكر اسمه، فرد عليه الإمام بما معناه: “إننا نواجه الرجال لا ربّات الحجال”.
وربما أن لكل أمر استثناء فإنني أرد في هذه الكلمة على قارئ من مدينة “العلمة” سمى نفسه “فاخر” علق على كلمتي في الأسبوع الماضي، وكان تعليقه في شكل سؤال “عن موقف جمعية علماء (كذا) المسلمين الحالية من مطلب الشعب الجزائري عن إعدام أكبر المجرمين كقتلة الأطفال أو الخيانة الكبرى… وموقف السلطة الحاكمة”.
أجيب الأخ “الفاخر” بأنني لا أستطيع أن أجيب باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لأنني لم أبق عضوا فيها منذ حوالي سبع سنوات، ونشرت ذلك في بعض الصحف، (الشروق اليومي، البلاد…). وبالتالي فعلى الأخ “فاخر” أن يوجه سؤاله إلى الجمعية، ولا شك في أنه سيجد عندها الجواب الرسمي عن سؤاله.
وأما إن كان الأخ “فاخر” يريد جوابي أو موقفي الشخصي، فهو مبثوث فيما كتبته وقلته، وهو أنني مع التطبيق الصارم -بدون رحمة ولا رأفة- لحدود الله -عز وجل- الواردة في القرآن الكريم أو في سنة رسول الله، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، خاصة لمن لا حجة لهم كالسراق الأغنياء، والمحتكرين، والزناة المحصنين، وتجار المخدرات، والمرتشين… وفي مقدمة من يقام عليهم حد القتل العمد -وهو القتل- هؤلاء المجرمون الذين يختطفون الأولاد -ذكرانا وإناثا- ويقتلونهم بعد انتهاك أعراضهم..
إن مثل هؤلاء جميعا كمثل الجراثيم التي تفتك بالجسم، فإن لم يتخلّص منها قضت عليه، وكذلك هؤلاء الأوباش الذين عاثوا في الجزائر فسادا، وصيروها “عرّة الدول” حيث لا تملك ملعبا محترما، ولا طريقا محترما، فضلا عن جامعة محترمة، أو معهدا محترما، أو مستشفى محترما.. أو.. أو…، حتى صار كثير من شرفائها لا يغادرونها إلى الخارج حتى لا يتحرّجوا عندما يسألون عما ردّها أسفل سافلين، وأؤكد للأخ “فاخر” أنني مع كل ما جاء من أحكام في الإسلام، سواء طالب بها الشعب الجزائري أم لم يطالب، لأن كل من يعترض على أي حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة هو مدخول الإيمان، دعيّ الإسلام، إذ لا يجادل في أحكام الله ورسوله القطعية إلا الكافرون، والظالمون، والفاسقون، كماء في سورة المائدة. وأنصح للسادة المحامين، ومنهم من أعتز بصداقتهم، أن لا يأكلوا، ولا يطعموا أولادهم المال السحت بمحاولة تبرئة هؤلاء المجرمين من القتلة، والمرتشين، والغشاشين، والفاسقين، والسارقين.. أو التماس الأعذار لهم، أو طلب التخفيف عنهم…
وأود أن أوضح أن خروجي من جمعية العلماء لا يعني كفرانا لمبادئها كما فعل أحدهم، إذ عندما يكون مع أعضائها يقول فيها قولا “حسنا”، فإذا خلا إلى … سلقها بلسان حديد، وقال: إنما كنت مستهزئا، إنما أنا معكم، وذلك كله طمعا في “ترقية” إلى الأسفل… ولا خرجت منها تنصلا من تاريخها، الذي هو أنصع وألمع من الثلج، ولا نكرانا لمؤسسيها الشّمّ الأماثيل، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، و”لم يبيعوا الدين بالتين”، فجعل لهم الرحمن ودّا، لا يجعله إلا للمؤمنين الصادقين، وعباده الصالحين..؛ بل إنني ازداد كل يوم إيمانا وإعجابا بها، ودعوة إليها، وسعيا في سبيلها، ودفاعا عنها، لـ”أنها – كما وصفها الشاعر الفحل مفدي زكريا- أعظم مؤسسة جزائرية بارزة تحمل المثل الأعلى للجهاد والتضحية في سبيل هذا الشعب” (1)، وهذه الشهادة لا شية فيها، لأنها من شخص لم يكن أبدا من أعضاء جمعية العلماء، بل هو مناضل كبير في حزب الشعب – وإن لم يكن قد أسس في ذلك التاريخ – الذي يعتبر بعض مناضليه من ألدّ خصوم جمعية العلماء، جهلا، وحسدا.
وأجدد شكري واعتذاري.
.
هوامش:
1) جريدة البصائر. ع 29. سلسلة (1) في 24 – 7 – 1936. ص5.
تصحيح: ذكرت في كلمة الأسبوع الماضي أن الأخ العزيز سي العربي غالم كان مديرا لثانوية الغزالي بمعسكر، والصحيح هو أنه كان مديرا لثانوية جمال الدين الأفغاني، وشكرا لمن نبهني إلى ذلك.