الرأي

شهادة القرضاوي في حق أردوغان!

خلال الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، التي عُقدت في العاصمة التركية إسطنبول، ألقى الشيخ يوسف القرضاوي الذي جاوز سنّه الثانية والتسعين، كلمة اعتبرها الأخيرة له في هذا الاتحاد، الذي لم يتمكن من رصّ بنيان الأمة الإسلامية ومنع وصول الخلافات بين علماء المسلمين إلى درجة التخوين والتكفير، تحدَّث فيها عن تركيا والرئيس رجب أردوغان وقارن بين ما شاهده في العاصمة التركية في سنة 1967 عقب حرب “النكسة” مع إسرائيل، عندما كانت مدينة فوضوية لا تحضُّرَ فيها، واسطنبول المدينة الراقية والمتقدمة والتي تضاهي في تطورها كبريات مدن العالم في زمن الرئيس التركي رجب أردوغان.
بغض النظر عن أخطاء الشيخ القرضاوي في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أحداث الربيع العربي واتهامه للراحل الشيخ البوطي بالعمالة للرئيس السوري بشار الأسد، الذي سبق للشيخ القرضاوي نفسه أن اعتبره من فرسان الإسلام في تصريح سابق له بعد حرب تموز 2006، وبغضِّ النظر عن أخطاء الرئيس أردوغان الذي يقول شيئا للاستهلاك الشرقي، ويفعل نقيضه أمام الغرب، فإن ما صار يلفت الأنظار هو التطور الذي تشهده الكثير من البلدان التي لا تمتلك موارد باطنية ومع ذلك ترفع التحدي وتطاول البلدان الكبرى وتحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي في ضروريات الحياة وتصدّر منتجاتها إلى مختلف القارات.
وشهادة الشيخ القرضاوي في حق ما قامت به تركيا في ظرف وجيز، ينطبق على الكثير من بلاد العالم، في ماليزيا واندونيسيا والهند والبرازيل وحتى إثيوبيا التي تحوّلت من بلدٍ يُقرَن بالمجاعة والفقر، إلى بلد يحقق قفزة اقتصادية هامة.
لقد فهمت الكثير من الأمم بأن طريق التطور والتحرر من التبعية الغذائية والعلمية ليس مستحيلا، ولا حتى صعب المنال، وفهمت بأن العمل وحده من يجعل كل بلد سيّدا، لا يخاف من المستقبل، فتحوّلت تركيا من بلد ضائع يتسوّل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى بلد يهاجر إليه الأوروبيون، وتحولت اندونيسيا من بلد نفطي فقير كان ضمن كبار منتجي البترول في منظمة أوبيب، إلى بلد اقتصادي كبير بعد أن نفد البترول من أرضه وخرج من منظمة أوبيب، وتسير إثيوبيا بكل ثقة لأنْ تتحوّل إلى نموذج سياسي واقتصادي في القارة السمراء، رغم أن أرضها لا تختزن الذهب بكل ألوانه من أخضر وأسود وأصفر.
تحوُّلُ العالم إلى قرية صغيرة في العالم التكنولوجي الحديث، مكّننا من متابعة نماذج عالمية مبهرة، تسافر بين القارات، فلم يعد الجمال حكرا على أمم دون أخرى، والعولمة تم استغلالها في جانبها الإيجابي، فتمكنت أممٌ من فك عقدتها تجاه أخرى، فكانت تركيا في عهد أردوغان نموذجا بسيطا لدول عديدة رفعت عن نفسها تهمة التخلف التي لازمتها على مدار قرون، فجاءت شهادة الشيخ القرضاوي كلمة صادقة في واقع صادق بغضِّ النظر عن أخطاء الشاهد والمشهود عليه.

مقالات ذات صلة