-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صداقة الجيران

عابد شارف
  • 6002
  • 0
صداقة الجيران

في بداية صيف 2008، بعد امتحان البكالوريا وقبل نهائي كأس الجمهورية، شنّ الوطنيون في الجزائر هجوما واسعا ليعيدوا إلى الذاكرة حدثا ذا أهمية كبرى، ويصححوا خطأ تاريخيا لا يمكن السكوت عنه. وقد تكلم الوطنيون بصوت عالٍ يسمعه الجميع، داخل الحدود وخارجها، وأعطته الصحافة صدى عظيما حيث تطرق إليه المحللون والمعلقون ليؤكدوا عزمهم الراسخ وإرادتهم المطلقة من أجل نصرة هذه الظاهرة التاريخية الكبرى التي يريد أعداء الوطن أن يضعوها جانبا.

  • وبدأت الحملة على لسان السيد دحو ولد قابلية، وزير ورئيس جمعية قدماء وزارة التسليح أثناء حرب التحرير MALG، وهو التنظيم الذي يعتبر أبا لجهاز المخابرات وعلى رأسه المرحوم عبد الحفيظ بوصوف. وقال السيد ولد قابلية خلال ندوة ألقاها يوم الخميس 12 جوان في رياض الفتح، إن الدول العربية لم تساعد الثورة الجزائرية أثناء حرب التحرير، ولم يستثن إلا ليبيا والعراق
  •  
  • وبعد نشر كلام الوزير، علق المعلقون، وصنعوا تمثالا لرجل قالوا عنه إنه لا يخشى أن يقول الحقيقة ولو كانت مُرّة. وأشاد القوم بكلام الوزير لأنه يحطم الرواية التاريخية الرسمية التي تقول إن الدول العربية ساندت وساعدت الجزائر، بينما يؤكد السيد الوزير أن هذه البلدان كانت تعادي الثورة وتعمل على وضع العراقيل في مسارها وغير ذلك من التصرفات التي كانت تهدف إلى تحطيم الثورة.
  •  
  • وقبل كلام الوزير، أكد محمد حسنين هيكل عداوة الدول المجاورة للجزائر، حيث قال إن الملك الحسن الثاني يكون قد شارك في عملية اختطاف قادة الثورة الجزائرية. وتكلم هيكل عن القضية مطولا على قناة “الجزيرة”، مما أعطى هذه الأطروحة نوعا من المصداقية. وغضب الكثير من الوطنيين لما تكلم السيد حسين آيت أحمد في قناةميدي1” (Medi 1) ليقول إن هذه خرافات لا علاقة لها بالتاريخ. وقال بعضهم إن آيت احمد اتّخذ موقفا لصالح المغرب وضد مصلحة الوطن
  •  
  • والآن؟
  •  
  • والآن، يجب أن نتساءل: ماذا سيخترع الوطنيون اليوم، وغدا، وبعد غد، لتحريف التاريخ، واستعماله للبقاء في السلطة، وضمان العداوة بين البلدان المغاربية، ومنع شعوب المنطقة من إقامة فضاء مشترك؟ ونتساءل كذلك: كيف يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام اليوم من طرف عضو في الحكومة الجزائرية، وكيف يمكن أن يصدقه صنّاع الرأي ويروّّجون له؟ كيف يمكن أن يذهب مسؤول في الحكومة الجزائرية إلى مثل هذه الحدود في تجاهل الواقع التاريخي، والتصرف بطريقة تبصق على الماضي وتلعن المستقبل؟
  •  
  • ما قاله السيد ولد قابلية تحريف واضح للتاريخ، لا مجال لنقاشه. وخطابه يمجّد دور هيئة وفئة ودائرة من دوائر السلطة، يحاول أن يصنع منها العنصر الأساسي أو الوحيد في انتصار الثورة التحريرية. هذا تصرف معروف، يهدف إلى تزييف التاريخ واستغلاله من أجل الوصول إلى السلطة والبقاء فيها. ورغم أن السيد ولد قابلية يتصرف مثل الآخرين الذين يريدون تزكية رجل أو فكرة أو طائفة، فإن نتائج تصرفه تعطي نتائج خطيرة جدا، وكأن الرجل يريد نشر العداوة والحقد بين شعوب المغرب العربي.
  •  
  • وحتى نكون منصفين، يجب أن نعترف أن الجانب المغربي يحسن هو كذلك التصرف بنفس الطريقة. وقد برزت في المغرب أوساط عديدة تعيش بفضل الوطنية المعادية للجزائر لا أكثر ولا أقل، مثلما توجد في الجزائر أوساط تتنفس بالوطنية المعادية للمغرب. هذه الأوساط تركز كثيرا على مأساة كل بلد، وتركز على مشاكله، وكأنها تعمل بصفة مدروسة من أجل تكريس، بل وتعميق المشاكل القائمة في كل بلد من بلدان المغرب العربي.
  •  
  • ولعل هذا قلب الموضوع. فوجود الأنظمة القائمة يمنع من الوصول إلى المغرب العربي، الذي كانت تتبنّاه أجيال كاملة من المناضلين. وفي نفس الوقت، فإن الأنظمة القائمة تدرك أن إقامة فضاء مغاربي مبني على الحريات والفعالية الاقتصادية سيؤدي حتما إلى نهاية الأنظمة القائمة. ولعل ذلك ما يفسر الحملات المتكررة ضد هذا البلد أو ذلك: إنها حملة ضد شبح المغرب العربي الذي يهدد الإدارات المتسلطة في المنطقة.

  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!