-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“صـنـدوق الـعـجــب” لماذا ـ الآن فـقـط ـ لـم يـعـد يـعـجــب ؟

علي بن محمد
  • 4012
  • 3
“صـنـدوق الـعـجــب” لماذا ـ الآن فـقـط ـ لـم يـعـد يـعـجــب ؟

كان لافتا للغاية أن تورد العديد من الصحف الوطنية، مطلع هذا الأسبوع، ما يفهم منه أن السلطات العليا في البلاد ليست راضية عن محطتها التـلـفـزيـة. وقد بلغـت، هذه السلطات، من الغضب عليها، أنها لم تعـد تجد أي نوع من الحرج في الحديث العلني، الصريح، عن “مستواها المتردّي”، و”رداءتـها الطاغية”.. بل إن وزير القطاع قد ذهب إلى أبعد من ذلك حين اعترف بأنــه ”يبكي مع الجزائريين على المستوى الذي وصل إليه منتوج التلفزيون ”!..

  •  ولعـلـه كان بإمكان الوزير، أيـضـا، أن يـصارح “الـغـَـرّامـة”، (دافـعـي الضرائب)، فيضيف بعد عبارته السـابـقة ” ولكن العين بصيرة واليد قصيرة “. والحاصل أنه سواء قالها الوزير أو لم يقـلها، فإن كثيرا من الناس يعـرفـون أن في شارع الشهداء، بأعالي العاصمة، بقعة من الأرض مسيّجة، هـي قلب النظام، وصرة الحكم. وأنهـا، في الوقت ذاته، مَعـقـِد القوة لـه، ومَـنــاط الضعف فيه. ولـذلك فإنهـا منطقة حرام لا يمكن أن يدنـو من حِـماها، ولا أن يستنشق هواها، إلا المطهّـرون..
  •   وكيفما كان الأمر، فإننا نقول طـُوبَى لشعبنا الذي وَجد، أخيرا، قـلـبا مـرهـف الحس، نامي المشاعـر، لواحد من أعضاء الحكومة، يبكي معه.. ونحمد الله ،جل وعزّ، على أن أتاح للشعب الجزائري مسؤولا في القـيادة يقاسمه بعضا مما يُحْـزنه ويُشْـجيه، حتى إنه لـيـبكي معه.. غير أنه لو لم يكن لهذا الشعب ما يُـبكيـه إلا “منتوج التـلفزيون”، وما وصل إليه “من الضعف والـتـفاهة”، في أكثر الأحيان، لهان الأمر.. ولكي لا نخرج بعيدا عن هموم التلفاز، فإننا لا نشك لحظة واحدة في أن عضو الحكومة يعرف، من موقعه بالذات، أن ما تـشكوه الـمحطة التلفزية الوطنية ليس جديدا، ولا طارئا. بل إنه داء ملازم لها، وتـشّـوُّه خِـلـْـقي، نشأ معها. و ربما تعافت منهما – جزئيا، وبصفة نسبية – في مُدد قصيرة. وقد لاحظ كثرة من الناس أن مضاعفات الداء الأصلي بلغت الآن حد إدخال المؤسسة، في السنوات الأخيرة، في حال من الشلل التام، حتى رأى البعض أنها في غـيـبـوبة مطلقة، لا ينفع فيها الإنعاش.. الداء معروف، والعلاج معروف، وقد تم تشخيصهما بكل دقة، وموضوعية. ولكن الطبيب المداوي يرفض العلاج المقترح، ولا يريد أن يسمع أحدا يَـذكـره له، لما يعرفه من ارتفاع ثـمنه الـسـيـاسـي!..
  •   ثم إن الذي يبدو، للوهلة الأولى، هو أن نبرة التـشَـكي المتكررة من “ضعـف المستوى” التي برزت في شـهر رمضان، وفي أعـقابه، إنما كانت منصبّـة، على ما يـسمى، عـادة، “الإنتاج الـفني”. يعني كل ما هو من قبيل المسلسلات ، والتمثيليات الفكاهية، وما يقدَّم على أنه “منوعات”..وكأن هذه المواد هـي وحدها التي تقيم الدول المحطات لبثها، ويـقـتني أفراد المجتمع أجهزة التلفاز من أجلها.. ولكن ليس معنى قولنا هذا أننا ممن ينكرون ما لبرامج التسلية والترفيه من قيمة ثابتة، ومكانة محفوظة بكل تأكيد.
  •   والذي نؤمن به أن للـتـلـفزة وظائف أخرى بالغة الأهمية ، عظيمة القيمة، ذات صلة وثيقة بالتكوين والتثقيف والتوعية وتنمية الإحساس بالجمال وتوسيع دائرة المعارف.. وفي طليعة ذلك كله تمكين كل شرائح المجتمع، عبر تشكيلاته المختلفة وتنظيماته المتنوعة من التعبير عن نفسها، والمساهمة المباشرة في الحياة العامة، بنقل اهتمامات تلك الشرائح، والدفاع عن مصالحها وما تعده من مكاسبها التي حققتها بالمنافحة والنضال. فأيـن نحن مع “الـيـتيمة “(كما درج البعض على تسميتها) من كل هذا، وحتى من بعضه القليل القليل؟ إن النخب الجزائرية لـتـتمزق غيرة وهي ترى مثيلاتها في أقطار عربية عدة، حتى قبل ربيع البعض منها، تناقش أدق المواضيع، وتسهم برأيها بكل حرية. 
  • وبينما يقصى الذين صنعوا أمجاد الفنون السينمائية والمسرحية الجزائرية، تـتاح ساحات الإبداع لـيـغـزوها جيـش من “الـبوجاديـة”، والمتطفلين، والمهرّجين، والسماسرة.. ليرتجلوا فيها فنهم الرخيص. وهكذا تـنـفـق الأموال الطائلة على أعمال بهلوانية ـ في الغالب ـ كل مردودها إفساد للـذوق العام، وإحباط المشاهدين، ودفع المزيد من النظـارة نحو القنوات الأجنبية. مع إغراق الشاشة في سيل لا ينتهي من الحصص الرياضية، عرضا للمباريات الكروية منها، وتشريحا لنتائجها، وتعليقا مُطـْـنِـبا على أدنى ما يقع منها داخل البلاد وخارجها في عملية توظيف مفرط لهـا..
  •   كل هذا والتعليل الحقيقي، الكفيل بتـفسير الانزلاق الدائم المتواصل للمؤسسة التلفزية في مهاوي الجحيم (كما يقولون) لا يُـلمّ به المحللون إلا نادرا. وهم يرجعون الأسباب تارة إلى نقص في كفاءة المسيرين، وتارة أخرى إلى ثغرات في تكوين إطارات التنشيط، وتارة ثالثة إلى سوء البرمجة والتخطيط.. وهذه الأسباب وغيرها يمكن أن تكون في بعضها أو في جـُلـُّها صحيحة. ولكنهم ينسون أنه لا يمكن لأية نبتة أن تنمو أو تحيا حيث لا ضوء ولا هواء. وأن الفكر البشري لا يمكن أن يبدع في أي مجال كان في محيط تـصادر فيه حرية الرأي، حتى في حدودها الدنيا؛ تلك التي بانعدامها تنعدم لا القدرة على المبادرة وحدها، بل الرغبة فيها أصلا.. وهكذا يسود الكسل الذهني، فيهجر الساحة أصحابُ الرأي والبادرة، فلا يبقى فيها إلا أهل الانتهازية والتزلف، ويغدو صيد المنافع هو الهدف الوحيد للتنافس في ميدان لا تـفـَوُّق، ولا نجاح فيه إلا بالتـصنع والنفاق..         
  •   واليوم تـتحدث السلطة عن قبولها مبدأ الترخيص لإنشاء قنوات تلفزية خاصة، في إطار “الإصلاحات” الموعودة، تلك التي تبرع بها النظام. ولكن فتح باب مناقشتها، والتحـاور بشأنها، لا يسمح به في التلفاز إلا لمن يـؤتى بهم للتعـبـير عما اكتشفوه فيها من فضائل، وإيجابيات “تحـظى البلاد بها لأول مرة منذ الاستقلال”!.. في إطار حملة تضليلية مَمْجوجة لا يمكن إن نصدّق أن مسؤولا محترما ، كيفما كان موقعه، يمكن أن يأمر بها..ولكنه، للأسف لا يعترض عليها. فإذا كانت النية هي “الإصلاح ” الذي أساسه تمكين الشعب من إبداء الرأي في ما يعنيه؛ فلماذا لا تفتح له، عبر نـُخبه، نافذة في الشاشة الصغيرة الحالية لمعرفة رأيهم فيها؟. وهذا في انتظار ما يقال عن القنوات الخاصة الموعودة.. لقد جربنا الغلق المـحـكم بمنـاسبة “الإصلاحات” الـعتـيدة السابقة، تلك التي تناولت إصلاح الـدولة، والعدالة، والمنظومة التربوية، والصحة والمستشفيات إلخ.. فلمَ لا يٍُـسمح بتجريب فــتح الباب لمناقشة حرة لهذه الإصلاحات، التي توصف بأنها “لم يسبق لها مثيل”؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • أصيل .دي زاد

    اين التكوين والتثقيف يا استاذنا الفاضل؟؟.. مكانهما في اليتيمة غير الشطح والردح والصراخ

  • missoum

    جزاك الله خير يا عزوز وتحيات خاصه للدكتور بن محمد

  • عزوز

    مشاكلنا متعددة ولكن اصلها واحذ حسب ما ارى .من خصوصية امتنا انها لا تؤمن بمركزية القوة و القرار . فالحرية عندنا تنتج الكثير من القوى المتكاملة و تمنع ضهور الهيمنة . و عندنا اليوم قوى تحاول جاهدة السيطرة المطلقة املا في انطلاقة بهذا المجتمع العظيم بفكرة الجتمعات الاوروبية محاولة احتكار السلطة و هذا لم و لن يكون لانها ستحارب طواحين الهواء . الحل بسيط دع القوانين تنشا من العامة و يتصارعون الى انشائها و تصحيحها و تطبيقها فتكون منهم و عليهم . وبهذا تنفجر طاقة الامة فتكون سيولا تجتمع لتكون نهرا