الرأي

صليبيون.. ولا صلاح الدين لهم

صالح عوض
  • 1205
  • 6

ثلاث مراحل تاريخية مرت على الأمة كانت عاصفة وجنونية وكادت ان تودي بالأمة ورسالتها.. هجوم الصليبيين على المشرق العربي وسقوط القدس 1096-1291 وهجوم التتار على بغداد عاصمة الخلافة 1258 واجتياحهم لبلاد الشام، وسقوط الاندلس ومحاكم التفتيش1492.
ونحن الآن نمر بواحدة تشبه إلى حد كبير تلك المراحل في عناصر كثيرة، فلقد تكالب علينا الأعداء الاستعماريون الغربيون من كل العالم وجاسوا خلال ديارنا ونشبوا مخالبهم في ثرواتنا وخيراتنا وقتلوا ابناءنا وهدموا قلاعنا وكادوا يعصفوا بنا من الأرض وشردوا ملايين منا بعد ان دمروا حواضرنا وعواصمنا.. فمنذ 1800 حتى الآن تتوالى فصول هذه المرحلة العاتية.
العامل المشترك في هذه المراحل الأربع يتجلى في حالة الهوان التي تسيطر على النخب والقيادات الثقافية والسياسية والدينية.. ففي مرحلة التتار، ومرحلة الصليبيين الفرنجة، ومرحلة سقوط الأندلس بلغ الانهيار النفسي مداه، حيث تحول حكام الطوائف والأقاليم إلى أدوات بيد الأعداء ضد اهلهم واخوانهم في العقيدة والدم وكانوا يقدمون للأعداء اكثر مما كان يتوقعه العدو حصل ذلك في الأندلس وفي بغداد وبلاد الشام.. والأمر نفسه نراه اليوم بطبعة جديدة، حيث الأمريكان الذين دمروا العراق وسورية ومكنوا للكيان الصهيوني في فلسطين واستباحوا القدس يلاقون من بعض حكامنا الترحيب والأموال والولاء ضد بعض حكامنا.. هذا هو المشترك الكبير بين المراحل الأربع.
ولكن في المراحل الثلاة السابقة تميز صلاح الدين الأيوبي برجولته ووعيه الاستراتيجي في توحيد ما يمكن توحيده من طاقات الأمة مشرقا ومغربا فجمع اليه خيرة المجاهدين اصحاب الهمم العالية وحسم المعركة مع الصليبيين الفرنجة واستعاد القدس.. الأمر نفسه حققه فيما بعد قطز وبيبرس بمواجهتهما لهولاكو وجيوشه المتوحشة وهزمه واستعاد فلسطين وبلاد الشام.. وكرر العثمانيون موقف النجدة ذاته عندما هبوا لنجدة الجزائر وطرد الاسبان المحتلين وحماية المغرب العربي من اطماع الفرنجة العنصريين.
العدو هو نفسه بطبيعته المتوحشة، ولكنه تطور في أدواته الشيطانية واستبدل مشاعره العقائدية بمصالحه الاستراتيجية واصبح اكثر قدرة على إدارة المعركة والصراع.. ورغم اننا حققنا انتصارا في عدة جولات كبيرة اهمها انتصارنا في الجزائر على فرنسا وفي العراق على امريكا، الا اننا لم نبرح بعد المرحلة الاستعمارية الخطيرة التي طالت عقودها وقرونها.
بلا ادنى شك، الأمة هي الأمة، قادرة على المنازلة ومستعدة للتضحيات وصبورة و معتزة بتاريخها وامجادها ورسالتها.. ولقد اكرمها ربها بأن يسر لها الإمكانات المادية التي تكفي لكي تمتلك وسائل القوة والاشتراطات الكبرى..
ان كل ما ينقص هذه الأمة هو فقط صلاح الدين، رجل يتجاوز التخلف والوهن والهوان والعجز والتذلل للعدو.. رجل يمتلئ غيرة وعزة وكرامة وبعد رؤية وانسانية يكون عنوانا لجيل كامل من علماء ومثقفين وساسة وإداريين وعسكريين.. صلاح الدين في جيل متكامل حينذاك يكون ردنا الطبيعي على المرحلة التي طالت.. جيل كما اجاب صلاح الدين على من سأله عن احتمال عودة الصليبيين؟ لن يعودوا مادمنا رجالا..

مقالات ذات صلة