-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صمود بورصة الجزائر

عابد شارف
  • 4500
  • 0
صمود بورصة الجزائر

صمدت بورصة الجزائر أمام الأزمة العالمية التي اجتاحت أكبر الأسواق النقدية الاثنين الماضي. وخرجت البورصة الجزائرية سالمة رغم أن أغلبية الأسواق عرفت انخفاضا لم تعرفه منذ سنوات عديدة. وجاء في الحصيلة الرسمية للعمليات التي تمت يوم الاثنين 2008 أن أسهم شركة الخطوط الجوية الجزائرية وصيدال والأوراسي والجزائرية للاتصالات لم تتغير نقطة واحدة. وحافظت الأسهم التابعة لهذه المؤسسات العظمى على قيمتها الأصلية، في وقت كانت أسواق طوكيو وباريس ولندن تتردد بين التراجع والانهيار.وقد عرفت بورصة الجزائر نفس الموقف قبل سبع سنوات، مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر. وهي اليوم تؤكد مرة أخرى أنها لا تخضع لمعطيات الاقتصاد العالمي، وأنها غير متأثرة بما يحدث في قلاع الاقتصاد العالمي، لأنها تعيش خارج التاريخ وخارج الاقتصاد والقواعد الاقتصادية المعمول بها على وجه الأرض. ومن المحتمل أن المتصرفين في بورصة الجزائر لم تصلهم لحد الآن أخبار حول التقلبات الكبرى التي تحدث في العالم. ولا نعرف ما هو أخطر؟ هل هم ليسوا على علم بما يحدث؟ أم أنهم يعرفون كل شيء، ويعيشون في عالم بيروقراطي منعزل عما يحدث في الأسواق، ويكتفون بتجاهل الزلازل الاقتصادية التي تحدث يوميا؟وقد حدث الاثنين الماضي ما لم يعرف العالم شبيها له منذ سنوات طويلة، حيث سقطت رموز عديدة. أولها أن الدولار الأمريكي تراجع إلى أن أصبحت قيمته تعادل الفرنك السويسري، كما نزلت تحت 100 ليرة (ين) ياباني. وثانيها أن العملة الأوربية »الأورو« اقتربت من حاجز 1.60 دولار، بعد أن كانت قيمتها يوم ظهورها لا تتعدى 0.80 دولار.هذه الأرقام ليست مجرد كلام لا أثر له على الجزائر. إنها أرقام تشرح جزءاً من مشاكلنا اليومية. إنها تعني أولا أن مخزون الجزائر من العملة الصعبة يبلغ 110 مليار دولار لكنه لا يبلغ سوى 68.7 مليار أورو، مع العلم أننا نشتري أغلب ما نأكل ونلبس ونركب بالأورو. وأصبح من غير الممكن اليوم أن نتجاهل مدى هذه التقلبات على الاقتصاد الجزائري. ودون أن نتطرق بالتفاصيل إلى انعكاسات سعر النفط وقيمة الدولار، نكتفي أن نذكر أن أسعار الحبوب والزيت والحليب وكل المواد التي تعرف ارتفاعا في الأسعار، تأثرت بقيمة الدولار وسعر البترول.وأكدت هذه المعطيات حجم الجهل والتجاهل الجزائري للواقع الاقتصادي. وقد قال الديوان الجزائري للإحصائيات مثلا إن نسبة التضخم خلال السنة الماضية قد بلغت 3.5 بالمائة. لكن معهدا دوليا مستقلا أكد أن هذا الرقم كاذب، وأن التضخم بلغ 12 بالمائة على الأقل، بناء على قيمة الواردات وارتفاع الأسعار الذي عرفته هذه السلع عند شرائها ثم عند تداولها في السوق الجزائرية. ومن المحتمل أن تتواصل وتيرة التضخم على نفس الطريقة في السنة الحالية، مما سيؤدي إلى لهيب في أسعار العديد من المواد. وبما أن الجزائر اختارت تجاهل الواقع، وقررت أن تتعامل معه بأبسط الطرق، فإنها ستواصل دعم الأسعار إلى ما لا نهاية. وقال خبير اقتصادي إن المبالغ التي يتم تقديمها لدعم الحبوب مثلا ستتجاوز عن قريب قيمة الإنتاج الوطني من الحبوبلماذا مثل هذا التصرف؟ يقول البعض إن ذلك راجع إلى عدم الكفاءة، ويقول البعض الآخر إن القوم لا يريدون أن يقلقوا السلطان بالإشارة إلى هذه المشاكل لأنهم يخشون على مناصبهم. والحقيقة أن الواقع يتجاوز كل هذا الكلام، لأن أهل الوزارات المختلفة يعرفون جيدا ما يجري، لكنهم يعيشون داخل نظام ميّت أصبح عاجزا عن مواجهة أي وضع من الأوضاع. وإذا سألنا إطارا أو عاملا في بورصة الجزائر، فإنه يعرف دون شك كل ما يجري في العالم، لكنه سيقول »الله غالب«، إنه يعمل من أجل الخبز، وأن مسؤوليه قالوا له أن يتصرف بهذه الطريقة وكفى.ويكفي أن نذكر أن سعر برميل النفط اقترب من 119 دولار. لكن قانون المالية الجزائري لسنة 2008 قد أنجز على أساس سعر 19 دولارا للبرميل فقط. ويعني ذلك أن الجزائر قررت أن تتجاهل 100 دولار في البرميل الواحد، وتصنع قانونا يعرف الكل، من رئيس الجمهورية إلى الحكومة والنواب ومستشاريهم ولجانهم المختصة، كلهم يعرفون أنه سعر مضحك… ومن استطاع أن يحقق معجزة كهذه يستطيع أن يتجاهل ما يقع في السوق العالمية، كما أنه يستطيع أن يتجاهل واقعا مرّا، وهو أن احتياط الجزائر من العملة الصعبة قد ضاعت منه 30 بالمائة من قيمته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!