-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صُمتُ ليوم أشدّ منه حرا

سلطان بركاني
  • 4283
  • 0
صُمتُ ليوم أشدّ منه حرا

تقدّم شهر رمضان هذا العام، 11 يوما إلى الوراء، لتتزامن أوّل أيامه مع فصل الرّبيع، حيث درجات الحرارة المعتدلة، لكنّه وبدءًا من الأسبوع الثّاني منه، ستتزامن أيامه مع فصل الصّيف، وربّما ترتفع درجات الحرارة لتتجاوز الثلاثينات وتقارب الأربعينات، فيجد كثير من الصّائمين مشقّة كبيرة للصّيام والقيام، وربّما يجد بعضهم ضيقا في أنفسهم ينسيهم احتساب الأجر العظيم الذي يناله الصّائم عند زيادة المشقّة.

كان الصّالحون من عباد الله لا يفوّتون فرصة موسم الحرّ، ليصوموا بعض الأيام يبتغون الأجر، لأنّهم يعلمون أنّ المكافأة تكون بقدر المشقّة، وأنّ الصّوم في الحرّ من أعظم الأسباب المعينة على تذكّر اليوم الآخر والاستعداد له، وقد روي عن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أنّه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، وهكذا كان عمر بن الخطّاب الذي أوصى ابنه عبد الله –رضي الله عنهما، فقال: “عليك بخصال الإيمان”، وسمّى أوّلها: “الصّوم في شدة الحرّ”.. وروى القاسم بن محمد عن عمّته عائشة أمّ المؤمنين –رضي الله عنها- أنّها كانت تصوم في الحر الشديد، فقيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر  الموت. أمّا أبو موسى الأشعريّ –رضي الله عنه- فكان يتوخى اليوم شديد الحرّ الذي يكاد الإنسان ينسلخ منه، فيصومه.. معاذ بن جبل –رضي الله عنه- بكى عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنّما أبكي ظمأ الهواجر (أي عطش أيام الحرّ)، ومكابدة ليل الشّتاء (أي القيام في الليالي شديدة البرد) ومزاحمة العلماء بالرّكب في حلقات الذّكر”.. وهكذا كانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومها فيقال لها في ذلك فتقول: “إنّ السّعر إذا رخص اشتراه كل أحد”.

ومن مواقف الصّالحين في الحرص على صيام أيام الحرّ ما روي عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنّه خرج يوما في سفر معه أصحابه فوضعوا سفرة طعامهم، فمرّ بهم راع، فدعوه ليأكل معهم، فقال: إنّي صائم. قال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه، وأنت بين هذه الشّعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟! قال الرّاعي: أبادر أيامي الخالية. فعجب منه ابن عمر فقال له: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيكثمنها. قال: إنّها ليست لي إنها لمولاي. قال ابن عمر، يختبره: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟ فمضى الراعي رافعا أصبعه إلى السماء وهو يقول: فأين الله، فأين الله، فأين الله؟. فلم يزل ابن عمر يردّد كلمته تلك، فلمّا قدم المدينة بعث إلى سيّد الراعي فاشتراه منه واشترى الغنم، وأعتق الراعي ووهب له الغنم، ويروى أنّ الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ نزل في بعض أسفاره بماء بين مكة والمدينة فدعا بغدائه ورأى أعرابيا فدعاه إلى الغداء معه فقال الأعرابيّ: دعاني من هو خير منك فأجبته، قال الحجّاج: ومن هو؟ قال: الله تعالى دعاني إلى الصيام فصمت. قال: في هذا الحرّ الشّديد؟ قال: نعم، صمت ليوم أشدّ منه حرا. قال الحجّاج: فأفطر اليوم وصم غدا. قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد!. قال الحجّاج: ليس ذلك إلي. قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!