صُمتُ ليوم أشدّ منه حرا
تقدّم شهر رمضان هذا العام، 11 يوما إلى الوراء، لتتزامن أوّل أيامه مع فصل الرّبيع، حيث درجات الحرارة المعتدلة، لكنّه وبدءًا من الأسبوع الثّاني منه، ستتزامن أيامه مع فصل الصّيف، وربّما ترتفع درجات الحرارة لتتجاوز الثلاثينات وتقارب الأربعينات، فيجد كثير من الصّائمين مشقّة كبيرة للصّيام والقيام، وربّما يجد بعضهم ضيقا في أنفسهم ينسيهم احتساب الأجر العظيم الذي يناله الصّائم عند زيادة المشقّة.
كان الصّالحون من عباد الله لا يفوّتون فرصة موسم الحرّ، ليصوموا بعض الأيام يبتغون الأجر، لأنّهم يعلمون أنّ المكافأة تكون بقدر المشقّة، وأنّ الصّوم في الحرّ من أعظم الأسباب المعينة على تذكّر اليوم الآخر والاستعداد له، وقد روي عن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أنّه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، وهكذا كان عمر بن الخطّاب الذي أوصى ابنه عبد الله –رضي الله عنهما، فقال: “عليك بخصال الإيمان”، وسمّى أوّلها: “الصّوم في شدة الحرّ”.. وروى القاسم بن محمد عن عمّته عائشة أمّ المؤمنين –رضي الله عنها- أنّها كانت تصوم في الحر الشديد، فقيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر الموت. أمّا أبو موسى الأشعريّ –رضي الله عنه- فكان يتوخى اليوم شديد الحرّ الذي يكاد الإنسان ينسلخ منه، فيصومه.. معاذ بن جبل –رضي الله عنه- بكى عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: إنّما أبكي ظمأ الهواجر (أي عطش أيام الحرّ)، ومكابدة ليل الشّتاء (أي القيام في الليالي شديدة البرد) ومزاحمة العلماء بالرّكب في حلقات الذّكر”.. وهكذا كانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومها فيقال لها في ذلك فتقول: “إنّ السّعر إذا رخص اشتراه كل أحد”.