-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صُنّاع التفاهة

صُنّاع التفاهة

لا أعلم من هو “العبقري” الذي أطلق لقب “صُنّاع المحتوى” و”المؤثرين”، على طائفة من الناس، هم في الغالب من الشباب، تطلّ على مواقع التواصل الاجتماعي، لتفرز حياتها الشخصية المعجونة بالقذارة والعُقد، أو على الأقل التفاهة؟ فمن غير المعقول أن يخترعوا لنا عالما افتراضيا، من أجل قبر عالم الواقع، ويمنحوا لنا، سلالة من الإنس مثل “المتحوّرات”، لا تدري قطّ ما تقول ولا ما تفكّر فيه، ثمّ يطلقون عليهم “صنّاع محتوى” و”مؤثرين” في مجتمع يبدو أنه استسلم لهذه التفاهات، ومكّن بغبائه لهؤلاء شهرة ما كانوا يحلمون بها، لو عادوا إلى الواقع، الذي حفظنا فيه بأن من جدّ وجد ومن زرع حصد، وليس جمع ملايين من المعجبين من ومضة تفاهة لا تزيد عن تسريحة شعر، أو ثرثرة على المباشر.

لو كان الأمر بيدنا لاستدعينا إلى المحاكمة كمتهمين أو كمشاركين في الجُرم، كل “المعجبين” و”الضحايا” الذين وقعوا في شباك هؤلاء “المؤثرين”، الذين لم يكتفوا على مدار سنوات بالسخرية من آلاف الشباب والشابات والحصول على شهرة لا يستحقونها، فأوقعوا في شباكهم الطلبة والمتخرّجين الجامعيين، الذين هم من المفروض نخبة الأمة ومستقبلها، وأخذوا منهم أموالا طائلة بحجة نقلهم للدراسة في الخارج، بالرغم من أن القانون لا يحمي المغفلين ولا المُبحرين في الفضاء الأزرق من الذين لا يتقنون فن العوم.

الملف الذي فتحه القضاء بشأن تورُّط عدد من الشباب والشابات من زاعمي “صناعة المحتوى”، والذين بلغ تعداد معجبيهم الملايين على خلفية عمليات احتيال كبرى، من المفروض أن لا يُغلق بعد إدانة المتهمين والمتهمات بما يستحقونه قانونيا، لأن ما وصلت إليه الجزائر مع مواقع التواصل الاجتماعي صار يتطلب وقفة صارمة، ليس بالضرورة أن تكون من طرف رجال العدالة والأمن، وإنما من الأولياء والأساتذة وعلماء نفس واجتماع ومصالح البريد وأئمة، فلو كان الأمرُ مقتصرا على “ريفكا” ورفاقه و”نوميديا” وأخواتها لهان، ولكننا شاهدنا فاشلين في حياة الواقع، يزعمون النجاح في عالم الخيال، من زاعمي الطب والسياسة والفقه والفكر، حتى أنك تخال نفسَك في مستشفى كبير جدا للأمراض العقلية، لا ينثر سوى التفاهة، في بلد كان إلى وقت قريب يفتخر بصنّاع الفكر الإنساني الراقي بقيادة مفكّر العصر مالك بن نبي.

لقد ظهر إفلاسُ مواقع التواصل الاجتماعي، في الجزائر، في الفترة الأخيرة، بعد أن صارت أسوأ من الشارع نفسه، وخلال مباريات أمم إفريقيا التي خرج فيها “الخُضر” من الدور الأول، لم نجد تحليلا فنيا واحدا أو على الأقل محاولة لدراسة الحالة السيئة للمنتخب الجزائري، وكانت الغلبة لتغريدات تزعم بأن المنتخب الجزائري قد تعرَّض لمؤامرة سحر وشعوذة، منعت تسجيله للأهداف، ووجدت هذه التغريدات صدى لدى الطائفة ذاتها التي كانت تتابع “ريفكا” و”نوميديا” وتصنع منهما نجمين لا يأفلان، لا في الليل ولا في النهار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • جزايري حر

    بارك الله فيك أستاذ عبد الناصر هذا الفتق الكبير الذي لا اول له ولا آخر باسم منصات التواصل الاجتماعي أفرز ويفرز أمراضا جسمية ونفسية فردية ووبائية تستدعي الوقوف مليا أمام هذه الأخطار المحدقة بالمجتمع...

  • جزاءري

    مواقع التواصل لا تؤثر الا في الثقافات اللتي لها استعداد فكري لتقبل افكار السحر والشعوذة . ثقافة الكسل الفكري اللذي يبحث عن السهل ولا يحتاج إلى تفكير فضلا عن القيام باي عمل . لكن صرحاء مجتمعنا في غالبيته ينتمي الى هذه الثقافة . ثقافة الشعوذة والدجل بل وحتى النفاق .

  • الصالح امير

    هل الشباب الصيني مثلا اقول مثلا ، يعاني من هذه الظاهرة؟ ظاهره ضياع الجيل "الجزائري"اخص الجزائر عن قصد لما اعانيه -وحيدا-من عجز لمعالجة هذا الضياع لأني من اولياء هؤلاء ، لن يظهر انبياء لهداية المنحرفين واصلاح المفسدين ،إن الأمر بيد الآباء والأمهات بالدرجة الاولى وكل رعاة هذه الأمةمجتمعين ـ