الرأي

ضفادع الإعلام الآسن

عبد الرزاق قسوم
  • 3776
  • 23

إلى سنابل الغد من أبنائنا، الصاعدين نحو الاخضرار، وقد مُنوا، بمنهجية تجفيف المنابع. إلى أشعة الأمل، من جيلنا، المشرئبين إلى المستقبل الباسم، فجوبهوا بتكسير الأجنحة.

إلى أبناء المدرسة الجزائرية، في معاناتهم من تجرّع التجارب الأجنبية البيداغوجية الفاشلة.

إلى هؤلاء جميعا وقد نكبوا بفكرنا الدخيل المنسلب، وبتعقّدنا الذليل المغترب ماذا عسانا نقول لكم، يا فلذات أكبادنا، وقد أظلمت الحياة في أعينكم وضاقت السبل أمام سيركم.

نعتذر إليكم، ونأسى لواقعكم، بسبب ما تتجرعونه، إنكم تبحثون عن أشعة شمس بلادكم الذهبية التي توشك أن يطمسها الكسوف، وتتوقون إلى نور قمركم المضيء، الذي يعمل البعض على طمسه، بالاصطناعي من الخسوف.

إننا نرثي – حقا- لهذا الدخول المدرسي الذي يتم، وسط هذا الاضطراب الإيديولوجي الحالك، الذي عقّد المسالك، واعتدى على المناسك، وفتح أمام الجميع كل طرق الضياع والمهالك.

فمهزلة المنكوبة التربوية لا تزال فصولها تتعدد، وفي كل يوم تكشف لنا عن فصول إيديولوجيتها التي تتجدد وتتحدد، فمن المناداة بتجفيف منبع الطفل، في أصول عربيّته الفصيحة البسملة، إلى تقليص ساعات تربيته الإسلامية، الروحية الحكيمة، إلى حذف “البسملة” من كتبه الدراسية القويمة، ومن يدري فقد تكشف لنا، في الأجل القريب، هذه المقدمات غير السليمة، كلها عن المطالبة، بحذف آيات من القرآن، كسورة “قل يا أيها الكافرون” لأنها في زعمهم ترمز إلى عدم التسامح، ومثل آيات الميراث التي تكرّس، حسب ادعائهم الظلم بين الذكر والأنثى، ومثل الآيات التي تتحدث عن الجهاد، لأنها حسب فهمهم السقيم، تدعو إلى العنف وإلى الحرب، وإلى القتال.

منطق غريب – والله- يطالعنا به بعض الأيديولوجيين في بلادنا، وهم أقلية لا تكاد تُذكر متحدّين الأغلبية الساحقة التي تقصى وتنكر.

فإذا رفعنا الصوت بالحكمة والموعظة الحسنة، في وجوه هؤلاء المنسلبين، أن “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”، خرج علينا هؤلاء، بجمل مبعثرة، وغير مفيدة في إعلامهم “الهايف”، مدللين على اضطراب نفسي مستبد بهم، وتدنٍّ أخلاقي يسكنهم، وكيل للتهم هو ديدنهم.

ألـمجرد أننا دعونا المسؤولة عن قطاع التربية، لا بصفتها الشخصية، ولا بوصفها امرأة أو رجلا، وإنما لأنها تتحكم في قطاع، هو ملك للجميع، لا يحق لأيّ أحد أن يحتكره، فطالبناها بأن تحترم ثوابت، ومقدسات، وقناعات الأغلبية الساحقة من شعبنا وأمتنا، ألـمجرد أننا دعونا إلى ذلك، بكل أدب الاختلاف، سلقتنا بعض ضفادع الإعلام الآسن، بأقلام شداد، وبألسنة حداد، وما ظلمناهم، ولكن كانوا هم الظالمين؟

لقد أدّبنا الإسلام، فأحسن تأديبنا، فصان أقلامنا عن التشخيص، والتبخيس، وعصم ألسنتنا عن المقذع من القول، وكيـْل التهم التي لا تستند إلى حكم، غير أننا بالمقابل، نفاجأ، بغيرنا، ينعتنا بشتى أنواع النعوت، من التعصب، والتشدد والسلفية المنحرفة، والفكر الداعشي الإجرامي، إلى بثّ الفتنة.. إلخ.

فأين يوجد التعصب إذن؟ وأين يكمن الغلو والتشدد؟ أليس في جانب من يتنكر لقناعات الأغلبية الصحيحة؟ إننا نعتقد أنّ التمرد على القيم الإسلامية الصحيحة التي لا تتناقض مع القيم الإنسانية الصحيحة، هو التطرف الأيديولوجي الحقيقي، وهو التعصب العلماني المقيت، وإنّ مثل هذا التطرف الذي يفاجئنا به ضفادع الإعلام الآسن بنقنقتهم المزعجة، هو من أسهم في صنع التطرف السلفي المنحرف، وغذّى الفكر الداعشي المتعجرف، وقدّم الدليل على معاداة كل ما هو مشرّف.

ليت هؤلاء المخالفين لنا، باسم الحداثة المظلومة، يأخذون من الحداثة الحقيقية قيَـمها! فمن قواعد الحداثة عند الغرب، احترام العلماني، لِعالِم الدين وإن اختلف معه، وتقديسه للنص الديني وإن لم يعمل به، ونأيه عن التجريح والشتم، لمن لا يشاطره القناعة، ولا يشترك معه في البضاعة.

فما أشأمكم يا ضفادع الإعلام الآسن علينا! وما أشأمكم على الإعلام نفسه! فبدل أن تكونوا حلقة وصل بين المتخالفين، وأداة حوار بين المتنازعين، تناصبون العداء كل من خالفكم الرأي، ولم يشاطركم القناعة، حتى ولو كان على حق، وحتى لو كنتم على خطإ.. فأين يكمن التسامح إذن؟

ومن هو الذي على هدى؟ ومن هو الذي على ضلال مبين؟

فما أبعد منهجنا عن منهجكم! وما أبعد إسلامنا عن إسلامكم! وإننا على يقين من أن التاريخ سوف ينصفنا، مهما عتمتم، ومهما شططتم، فالتاريخ سيف لا يرحم، وويل لأعداء التاريخ من حكم التاريخ!

مقالات ذات صلة