الجزائر
"الشروق" ترصد أهم التصريحات التي صنعت الحدث:

طرائف وغرائب في محاكمة رؤوس الفساد

إلهام بوثلجي
  • 22816
  • 23
الشروق أونلاين

شهد النصف الثاني من شهر جوان محاكمات تاريخية ضمن سلسلة ملفات الفساد المفتوحة منذ سنة 2019 والتي تورط فيها كبار المسؤولين في الدولة والكارتل المالي المسيطر على سوق المال والأعمال لسنوات، وبعيدا عن الملايير والمبالغ المالية الضخمة التي لم يستطع لا القاضي ولا الحضور عدّها وفهمها، فقد شكلت محاكمة 10 وزراء على شاكلة “مجلس وزاري مصغر” الاستثناء بالتصريحات الغريبة أحيانا، والطرائف التي ميزت الجلسات وحاولت الشروق رصدها على مدار ثلاثو أيام كاملة من المحاكمة في قضية “سوفاك” وخمسة أيام في قضية “آل حداد”.

معطف أويحيى الشتوي في عز الصيف؟

أثار معطف الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الذي ظهر به في أول يوم من جلسة المحاكمة في قضية “تركيب السيارات” الكثير من الجدل والحيرة لدرجة أن المتابعين لأطوار المحاكمة من المواطنين لم يصدقوا أنها تخص يوم 15 جوان، وراح البعض يعلق أن الصور مفبركة وليست حقيقية وتتعلق بالمحاكمة الأولى التي جرت في ديسمبر، ورغم ظهور عناصر الأمن والدرك والمحامين في الصور بالأقنعة الطبية، والتي تؤكد أن المحاكمة جديدة في زمن “كورونا”، حيث كان مسموحا بالتقاط الصور والفيديوهات أول يوم قبل سحب الكاميرات بسبب احتجاج المحامين، إلا أن طبيعة الجزائري وتشكيكه في كل شيء، جعلت الكثير من المعلقين لا يصدقونها، فيما علق آخرون أن هذا المعطف “هو مضاد للرصاص” مثل الذي كان يستخدمه شقيق الرئيس السابق سعيد بوتفليقة، وبعد كل تلك الضجة، قرر الوزير الأول الاستغناء عن معطفه تدريجيا على مدار أيام المحاكمة الأولى وحتى المحاكمة الثانية التي انتهت أطوارها ليلة السبت، وسيتم الفصل فيها هذا الأربعاء .

عولمي بشعر أبيض وملامح متغيرة؟

ولم يقتصر الجدل على معطف “أويحيى” فقط، بل حتى لون شعر رجل الأعمال مراد عولمي كان هو الآخر محل حيرة واستغراب، فبعد ما تعود الجزائريون على صورة صاحب إمبراطورية “سوفاك” بالشعر الأسود المنسدل، لم يصدق هؤلاء رؤيتهم لعولمي بشعر أبيض وملامح مختلفة، وحتى الصحفيين وبعض المحامين من هيئة الدفاع المتواجدين بقاعة الجلسات انتابهم الفضول لدرجة التشكيك أحيانا إن كان هذا هو مراد عولمي المتواجد في قفص الاتهام مع باقي المتهمين، أم شخص آخر؟

موت العيفا أويحيى… صمود وانكسار

بعد محاكمة ماراطونية في قضية “سوفاك” المتابع فيها وزيران فقط وهما أحمد أويحيى بصفته الوزير الأول، ويوسف يوسفي الذي كان وزيرا للصناعة والمناجم، والتي دامت ثلاثة أيام، انطلقت المحاكمة في الملف الثاني الأكبر والأضخم من حيث عدد الوزراء المتابعين والصفقات والملايير المبددة، والتي شكل وفاة شقيق أويحيى ومحاميه العيفا صدمة للجميع في أول يوم منها، خاصة أنه كان حاضرا مع شقيقه ولم يتركه لحظة واحدة، لكن الوزير الأول السابق أبان عن صبر شديد رغم علامات الحزن البادية عليه، وبعد تشييع جنازة شقيقه بيوم، ظهر مدافعا عن نفسه دون الحاجة للدفاع، وراح يبرر ويعرض على مدار ثلاث ساعات من الاستجواب برنامج الرئيس بوتفليقة والذي قال عنه “الله يذكرو على خير”، ورد على الاتهامات الموجهة له، فتحدث عن الجلسات الرمضانية للرئيس بوتفليقة، ودافع بشراسة على خيار الصفقات والقرارات لدرجة أنه قال عن صفقة تهيئة المطار التي أمر بها الرئيس وكانت عن طريق الاستعجال: “الحمد لله تم انجاز المشروع في وقت قياسي و”حمرنا وجه الجزائر” مع الزعماء العرب”، وأضاف في تصريح آخر: “لا أعمل بالتيليفون ولا أمنح أي محاباة”. وفي حديثه عن المشاريع التي عرفتها الجزائر في عهد النظام السابق والخاصة بالطرقات والتهيئة والأشغال العمومية والتي لطالما عرفت تأخيرا في الإنجاز، قال إنها مثل “شبكة العنكبوت”.

جاء الماء نوض تعمر… الشيطان وصاحبي

ولم تخل جلسة المحاكمة من روح الدعابة والفكاهة التي صنعها الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، والذي برغم مرضه البادي عليه بعد ما فقد كثيرا من الوزن مقارنة بأول محاكمة شهر ديسمبر، إلا أنه استطاع أن يصنع جوا طريفا في القاعة فتعالت أصوات القهقهات فيها بكل عفوية، وحتى القاضي هو الآخر لم يتمالك نفسه من الضحك خلال استجوابه له، فسلال الذي حاول تقديم أدلة براءته من تهم الفساد، راح يروي للقاضي مسيرته في وزارة المياه وما قدمه لتجنيب عدة ولايات خطر الجفاف، قائلا: قمت بمشاريع مكنت المواطنين من التخلص من “جاء الماء نوض تعمر”، وفي خرجة أخرى قال عن متابعته في أكثر من ملف “عييت من الصفا والمروة”، أما التصريح الأغرب والذي حير الحاضرين وأبان عن سذاجة سلال، كان لما أراد إخبار القاضي بأنه لم يرفض يوما الاستماع لأي مستثمر وهو ديمقراطي والجميع يعرفونه بأنه لا يكذب ليصرح: “أنا ديمقراطي.. مستحيل أن لا أستمع لمدير “جيكا”.. الشيطان وصاحبي”.

جنة علي حداد الموعودة للجزائريين

وبعيدا عن السذاجة وروح الدعابة لدى الوزير الأول سلال، ظهر رجل الأعمال علي حداد واثقا من نفسه على غير العادة، وخلافا للمحاكمة الأولى شهر ديسمبر، لدرجة أن الحاضرين علقوا أنه “حفظ الدرس جيدا في السجن”، فهذا الأخير حاول إقناع هيئة المحكمة أن فوزه بكل تلك المشاريع والصفقات وحصوله على أراضي الامتياز الصناعي، لأنه رجل أعمال مثابر ويملك “مجمعا” هو الاول في الجزائر، ورغم الأرقام الخيالية التي تلاها القاضي عليه وواجهه بها، إلا أنه حاول الظهور بمظهر المنقذ للجزائر، فكان يقدم بالأرقام والوثائق رؤية وتصورا لمشاريعه وعدد العمال الذين سيوظفهم والملايير التي ستستفيد منها الخزينة العمومية لدرجة أنه كان يكرر في كل مرة: “لو لم أدخل للسجن لوصلنا لطاقة انتاج كذا ولشغلت كذا و..”، ليطلب منه القاضي في كل مرة الحديث عن موضوع القضية وطريقة حصوله على المشاريع وقروض بقيمة 211 مليار دينار، وهو الرقم الذي وصفه علي حداد بالخيالي قائلا: “تغاشيت كي سمعتو”، لكنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن نفسه، كان يسرد أرقاما خيالية لقيمة الأرباح والفوائد المقدمة للبنك والضرائب المدفوعة للدولة لدرجة أن الحاضرين في الجلسة شكوا في أن المشاريع التي يتحدث عنها قد تكون في دولة أوروبية وليس الجزائر.

حداد يستنجد بسعيد بوتفليقة لإنقاذه في أم الطبول

فيما أثار ت تصريحاته عن “إقراضه” للعتاد الخاص بمجمع “الوقت” لصالح سعيد بوتفليقة من أجل إنشاء قناة تلفزيونة لمساندة الرئيس السابق في الانتخابات الملغاة الكثير من التساؤلات حول علاقة الرجلين إلى غاية كشف وكيل الجمهورية لعدد المراسلات والرسائل بينهما ومنها رسالة يستنجد فيها حداد بمستشار الرئيس لحظة إلقاء القبض عليه بأم الطبول، وهي التصريحات التي دفعت هيئة الدفاع للمطالبة بإحضار السعيد بوتفليقة وحتى شقيقه لمواجهتهما مع المتهمين، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض، لأنه جاء متأخرا جدا وكان ينبغي أن يقدم قبل بداية المحاكمة.

غول لم يتخلص من برنوس الحكومة

وبدوره، الوزير السابق للأشغال العمومية عمار غول الذي كان محل ترقب وانتظار من الجميع لمعرفة خبايا مشاريع “الطريق سيار شرق – غرب”، والاستماع لأقواله في القضية التي أثارت الكثير من الألغاز منذ سنوات، أدهش الجميع بمجرد اعتلائه للمنصة لاستجوابه من قبل القاضي، حيث لم ينزع برنوس وعباءة الحكومة عنه، فظهر هو الآخر مدافعا عن برنامج الرئيس وخياراته، وحاول التشبث بشماعة تجنيب الجزائر والدولة الملايير بالعملة الصعبة في قضايا التحكيم الدولي لتبرير منح الصفقات لمجمع حداد، فرافع مطولا عن مساره وإنجازاته التي قال أن الرئيس نفسه كان راضيا عنها في الجلسات الرمضانية التي كان يعقدها سنة 2009، كما دافع عن حداد ومجمعه بالقول أنه “عملاق”، وحاول أن يبرز لهيئة المحكمة أنه لا يمكنه رفض قرارات الرئيس، وأنه ساهم في دعم الاقتصاد الجزائري وتجنيب الجزائر ملايير التحكيم الدولي، وغير بعيد عن تصريحاته السياسية والمدافعة عن برنامج الرئيس، فغول صنع الحدث بهندامه الرياضي عكس باقي الوزراء، أما لون شعره فلازال أسود مع ظهور بعض الشيب عليه، حيث كان الكل يرتقب رؤيته بعد أشهر من السجن إن كان البياض قد كسا شعره .

بدة وكمامة “بينوكيو”؟

أما عمارة بن يونس فقد بدا غير مصدق لتواجده في السجن، وحاول صاحب مقولة “ينعل بو اللي مايحبناش” أن يقدم كل التبريرات اللازمة لدرء المسؤولية عنه، خاصة أن الخبرة أثبتت عدم علاقته بالصفقات والمشاريع محل المتابعة، في حين أثارت “كمامة” محجوب بدة موجة من الضحك والاستغراب لدى الحضور، خاصة أنه كان يطويها على جانبين ويضعها فوق “أنفه” بطريقة تشبه الرسوم المتحركة “بينوكيو”، وهي الحالة التي كان يكررها في كل جلسة، وأعطت زوجة يوسف يوسفي درسا في نبل الأخلاق والحفاظ على العشرة فكانت الوحيدة الحاضرة طوال جلسات المحاكمة لمساندة زوجها وزير الصناعة السابق، مثلما حضرت زوجة الوزير بدة، أما باقي الوزراء فلم يجدوا أي فرد من عائلاتهم حاضرا لمساندتهم.

مقالات ذات صلة