-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في ذكرى يوم العلم

طلب العلم.. الفريضة الحاضرة الغائبة

سلطان بركاني
  • 2104
  • 0
طلب العلم.. الفريضة الحاضرة الغائبة

الحديث عن مكانة العلم والعلماء في هذا البلد حديث ذو شجون، يبعث على الأسى ويسيل ماء العيون؛ فكلّنا ولله الحمد نحفظ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (طلب العلم فريضة على كلّ مسلم)، لكنّ قلّة قليلة منّا تسعى لترجمة هذا الحديث إلى واقع.. المدارس تعجّ بالتلاميذ، والمعاهد ملأى بالطّلبة، وخرّيجو الجامعات يعدّون كلّ عام بالآلاف، وفي مختلف التخصّصات، لكنّنا لا نجد أيّ أثر لهذه الأرقام في واقع البلد، ونحن نفجع كلّ عام بتصنيفات المراكز، المتخصّصة تجعل أنظمتنا التّعليميّة ومدارسنا وجامعاتنا ومراكز أبحاثنا في ذيل التّرتيب العالميّ؟ أين ثمرة الأعداد الهائلة من المتمدرسين والمتخرّجين، ونحن نرى البلد يتحوّل إلى سوق لبضائع وصناعات دول العالم؟ قديما قال العلماء: إذا اضطرّت الأمّة لاستيراد إبرة من أعدائها فإنّ أفرادها جميعا يأثمون؛ فكم يا ترى تحمّلنا من أوزار وآثام بسبب هذا النّكوص شبه الجماعيّ عن طلب العلم النّافع؟

لن نخوض كثيرا في الحديث عن تفريط الأمّة في طلب العلم الدنيويّ الذي تقيم به عزّها وشرفها، لأنّنا قرأنا وسمعنا كلاما كثيرا حول هذا الموضوع، لكنّنا نريد ونحن نعيش الذكرى الـ75 لرحيل رائد النّهضة الإصلاحيّة في الجزائر، الإمام الهمام عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله، نريد أن نتلاوم ونتدارس تقصيرنا في جانب آخر من جوانب العلم، ألا وهو العلم الشرعيّ الذي ينظّم به المسلمون حياتهم، ويقيمون دينهم، ويسعدون في أولاهم وأخراهم.

ربّما يملأ الواحد منّا بيته بعناوين شتى من الجرائد والمجلاّت، حتّى تضيق بها الخزائن والرّفوف، لكنّ نفسه لا تطيق فتح كتيّب صغير يتعلّم منه ما يلزمه تعلّمه من أمور دينه، كالعقيدة الصّحيحة وأحكام الطّهارة والصّلاة والصّوم.

لا نتحدّث عن التّفقّه في الدّين، ولا عمّا أصبح يسمّى في زماننا “الثقافة الإسلاميّة”، وإنّما نتحدّث عن تعلّم ما يلزم كلّ مسلم علمه، أصبحت معرفة العقيدة ومعرفة أحكام الطّهارة والصّلاة والصّوم، فضلا عن غيرها ثقافة من تعلّمها سمّيناه مثقّفا، ومن جهلها فلا يضرّه ذلك! مع أنّ الواجب على كلّ مسلم أن يعلمها، فما لا يقوم الواجب إلاّ به فهو واجب.. ربّما تجد المسلم يحمل شهادة عالية في الطبّ أو الهندسة أو غيرها من العلوم، ومع ذلك يجهل أبجديات دينه، يعلم مثلا أنّ الإيمان هو أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، لكنّه لا يعلم كيف يؤمن بالله، ولا كيف يؤمن بالملائكة، ولا ما يجب عليه الإيمان به عن اليوم الآخر، ولا كيف يؤمن بالقدر خيره وشرّه. لا يحفظ ولو حزبين من القرآن يصلّي بهما، ولا يحسن تفسير أقصر سور القرآن، ولا يحفظ دعاء صلاة الجنازة، ودعاء صلاة الاستخارة، ولا يحسن ترقيع الصّلاة ولا أحكام سجود السّهو، ولا يحفظ شيئا من أذكار النّوم والاستيقاظ، ولا أذكار الصّباح والمساء…!. وبسبب هذا النّكوص عن تعلّم أبجديات الدّين وأصوله، أصبح شبابنا لقمة سائغة لدعاة التّنصير ودعاة المذاهب الباطنيّة الهدّامة؟ لأنّهم يجهلون أبجديات دينهم، في زمن تتدفّق فيه الشّبهات من كلّ حدب وصوب، شبهات اليهود والنّصارى، شبهات دعاة التشيّع والقبوريّة، شبهات العلمانيّين والشّيوعيين واللادينيين؛ أصول وثوابت ومسلّمات هذا الدّين التي فصل فيها المولى -جلّ وعلا- أصبحت تطرح للنّقاش والأخذ والردّ؛ أصبحنا نسمع من يجادل في فرضية الحجاب، وحرمة التبرّج، ومن يجادل في حرمة الزّنا ويسمّيه حرية شخصية أو متعة وزواجا مؤقّتا، ومن يجادل في حرمة الرّبا، ومن يأبى التّسليم بوجوب تحكيم شرع الله. بل ومن يجادل في وجوب إخلاص الدّعاء لله الواحد الأحد، وينافح ويدافع عن دعاء الأموات والاستغاثة بهم وطلب الحوائج منهم!

لقد أصبح لزاما على شبابنا ونحن نعيش زمانا هذه حاله، أن يتعلّموا ما به يردّون هذا السّيل العرمرم من الشّبهات، أو على الأقلّ يثبتون أمامه.

طلب العلم فريضة، ومن ترك تعلّم ما يلزمه تعلّمه، وما به يقيم دينه، ويثبت على الحقّ، من ترك هذا فهو آثم عند الله جلّ وعلا. فكفانا يا شباب إضاعة للأوقات. كفانا غفلة عن واجبنا تجاه هذا الدّين العظيم. آن الأوان أن نتجنّد للدّفاع عن ثوابته وأصوله ونغار لحدوده، آن لهممنا أن تتعالى قليلا عن الحظوظ الدّنيويّة، ونرفع عن أنفسنا الأمية والجهل بأصول ديننا وثوابته وأبجدياته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • mesutalgérie

    أنت يا شيخ لا تفرق بين العلم واللاهوت وتدعوا الناس الى العلم ،الا اذا كنت تسمى الروايات والحكواتية علما فذلك أمر آخر ،الفلسفة وما أدراك مالفلسفة لم تصل بعد درجة أن تسمى علما فكيف تسمى التفقه في الدين علما ؟؟؟

  • بدون اسم

    العلماء الحقيقيين هم الذين يتواجدون في المختبرات و في ميادين البحوث التجريبية

  • جنوبي غربي

    إذا كنت ترى الاكتفاء بعلوم الدين و التفقه فيه يوصلنا إلى الرقي فأنت مخطئ, أما إذا اجتهدنا كل حسب اختصاصه دون طغيان هذا على الآخر و الوصاية عليه فيمكن التكامل, و التقدم نحو الأفضل شريطة الصبر و المثابرة و حسن المناورة مع من بيده العلم و التكنولوجيا, أما أن تدخل معه في صراع لانتزاع المعرفة فهذا الانتحار بعينه,ثم إن الآخر ينظر إليك بعين الريب فيمنعك من أسباب المعرفة, أما انزعاجنا من تقليد المغلوب للغالب فهذا شيئ طبيعي لآن الإنسان يصبو دائما للأفضل فلا يقف إذا وقفت عجلة التاريخ عند هذا أو ذاك,

  • Kader

    أنا لم أر يوما يا أخاه طوابير أمام ألمكتبات كما يفعل هنا وهنك من أجل إقتناء مثلا ما يلزمنا من حاجيات ألأسرة في التغذية ألمختلفة فالميول إلـى ألمطالعة ضيئل جدا خاصة ألأجيال الصاعدة ألمتمدرسة منعدمة في ألمناطق شبه نائية وألنائية ففي ألمدرسة خصة مخصصة للمطالعة مدتها 30' لا يعرف كيفية استغلالها وإلى يومنا هذا لعدم فهم مقصودها ألتربوي وكيفية تدريسها لمدة 30'،
    ألمطالعة غذاء ألفكر وألروح ومن يطالع لا يعجز أبدا.

  • ميلود

    شكرا لك يا استاذ على المقال جاء في وقته ولكن التعميم غير مقبول في جميع الاشياء هناك مثقفون ثقافة اسلامية عالية ولكنهم مغيبون يا استاذ وشكرا .